الجزائر مهمات الثورة ومخاطر تداعيات الدولة "الجزء الثالث"
الخميس مايو 07, 2009 11:20 pm
التصريح ، بعد ما يستتب الامن يمكن تلخيصه في ثلاثة حلول
اولا - الانفصال عن فرنسا . ثانيا - الاندماج في فرنسا . ثالثا - الفيدرالية أو الاتحاد مع فرنسا .
وتعهد ديغول باجراء استفتاء عام يعبر فيه الشعب الجزائري عما يريده من الحكم ، بقوله :- " التزم ان اطلب من الجزائرين مانوع رغبتهم ، وما المصير الذي يقررونه لانفسهم ، كما اطلب من الشعب الفرنسي ان يوافق الموافقة التامة على ما يتخذه الشعب الجزائري من اجراءات **" وجاء في رد الحكومة الجزائرية المؤقتة على تصريح الجنرال ديغول بما يلي :- " لقد اعترف الجنرال ديغول رئيس جمهورية فرنسا على الملأ باسم فرنسا ، في التصريح ، الذي ادلى به في " 16/9/1959 " اعترافا صريحا بحق الجزائريين في تقرير مصيرهم ** ثم يقول : ان حرية اختيار الشعب الجزائري لايمكن ان تمارس تحت ضغط جيش احتلال بلغت قواته اكثر من نصف مليون ، ويعادله من رجال الدرك والشرطة والحرس المتجول ، كما لايمكن ممارستها تحت ضغط اجهزة ادارية عرفت بتقاليدها الراسخة في فن تزييف الانتخابات **"
قاومت الجماهير الجزائرية بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية كل الاساليب ، التي انتهجتها سلطات الاحتلال ، بما في ذلك رفض اجراء الاستفتاء على مشاريع لتكريس الاحتلال وتشويه التوجيهات الوطنية ، مثل مشروع الدستور الفرنسي الجديد ، ومشروع قسنطينة **
وبعد القضاء على التمرد الفاشي ، الذي قامت به مجموعة الجنرالات ، ودعاة مواصلة الحرب اعلن الجنرال ديغول في " 8/مايس/1961 " برنامجا جديدا للمفاوضات مع ممثلي الجبهة والحكومة المؤقتة الجزائرية .
بدأت المفاوضات في "20/نيسان/1961 في مدينة " ايفيان " بين ممثلي الطرفين ، ودامت ثلاثة اسابيع ، حتى 14/حزيران/ 1961 ، ورفض الوفد الجزائري ومنذ اللحظة الاولى التنازل عن أي شبر من اراضي الصحراء .. ومع توقف المفاوضات ،لكنها اسؤنفت في" 20/ حزيران/1961 " مع اصرار قيادة الثورة الجزائرية على عدم المساومة ، لهذا توقفت ، ثم استؤنفت ثانية في 31/حزيران/1961 ، وكانت حصيلتها اعتراف السلطات الفرنسية بجبهة التحرير الوطني كممثل شرعي ووحيد للشعب الجزائري ..
وقد اظهرت البرجوازية الجزائرية المتمثلة بشخص رئيس الحكومة المؤقتة " فرحات عباس " موقفا توفيقيا مهادنا .. وقد رفضته الجماهير الشعبية الجزائرية ، واتخذت قيادة الجبهة الوطنية في موتمرها المنعقد في طرابلس في آب/1961 قرارا بابعاد رئيس الحكومة عن مهمته وابدالة بالسيد يوسف بن خده . وكان فرحات عباس زعيم حزب الشعب وهو الذي ينكر وجود امة جزائرية ، كما سبق ان بينا ، اما السيد يوسف بن خده فهو من ممثلي الفئات الشعبية .."
استعيد مواصلة التفاوض وعلى مبدأ الاعتراف باستقلال الجزائر وبقيادتها الشرعية والوحيدة جبهة التحرير الوطني وحكومتها المؤقتة " 11-19/شباط/1962" وبتراجع فرنسا عن مشروع فصل الصحراء عن الجزائر ، كما اعترفت للحكومة المؤقتة الجزائرية بحق الدفاع وانتهاج سياستها وبتكوين جيشها الوطني وتخطيط سياستها الخارجية وعلى وفق مايحقق مصالحها الوطنية ..
عرض الوفد الجزائري تلك الشروط على الحكومة المؤقتة ، وقررت الحكومة عرض سير التفاوض ونقاطه على المجلس الوطني الجزائري ، وبعد نقاش استمر سته ايام في اجتماعات الحكومة وقيادة الثورة ، تقرر في "28/شباط/ 1962" تكليف الحكومة المؤقتة بتأليف وفد بمهمة التفاوض حتى نهايته ..
في السابع من شهر مارس "اذار/1962 ، افتتحت المفاوضات الرسمية في "ايفان" وبمشاركة وفد فرنسي رسمي مؤلف من الوزراء "لوىجوكس" وروبيربيوران، وجلن دوبراليي " ومن الحكومة الجزائرية المؤقتة وفد متكون من " كريم بلقاسم " وسعد دحلب ، وبن طوبال ، ومحمد يزيد واستمرت المفاوضات وبظروف صعبة "12" يوما ، وحتى اعلان نجاحها في الساعة الثانية عشر من يوم 19 آذار-مارس /1962 ، وكان ذلك عيد وطنيا للشعب الجزائري ..
وشكلت لجنة تنفيذية قوامها "12" عضوا ، ثلاثة فرنسين واربعة جزائريين ، للاعداد لوقف اطلاق النار حسب اتفاقيات "ايفيان 19/آذار/1962 وتستمر لثلاثة اشهر أو ستة ، وحسب مقتضى الامر وفي الخامس من تموز /1962 اعلان الاستقلال وقيام الدولة الجزائرية الديمقراطية والشعبية .
الدولة الوطنية – الديمقراطية ومسارها : - ولدت الدولة الجزائرية بعد مخاض دام ثمان سنوات من الكفاح المسلح المرير . وبتضحيات اكثر من مليون ونصف المليون شهيد ، وهي كغيرها من الدول الفتية ، تحمل امراض الطفولة ومخاطرها ، ومع انها ولدت في ظروف موضوعية ملائمة حيث تعاظم قوى الثورة العالمية " المعسكر الاشتراكي ، وبتحالف الطبقة العاملة العالمية وقوى اليسار وحركة التحرر الوطني العالمية – في العالم الثالث وكان لحركة التحرر العربي مكانة متميزة وفي الصداره من قوى الثورة العالمية ، وفي مثل هذه الظروف تحقق الانتصار واقامة الدولة الجزائرية .. لكنها ورثت عن نهج واقامة الدولة الوطنية الديمقراطية امراضا خطيرة ، منها نهج وسياسة الحزب الواحد ، وهذه الامراض توارثتها الدولة الوطنية الديمقراطية عن تجارب الدولة الاشتراكية التي قامت منذ ثورة اكتوبر /1917 ، واتسعت بعد الحرب العالمية الثانية ، باقامة المعسكر الاشتراكي.
ومنذ اقامة الحكومة بعيد اعلان الاستقلال "5/تموز/1962" اشتد الصراع بين قيادات الثورة وحسم بعد زحف احمد بن بله وقطعات من جيش التحرير الوطني وبتأيد اعضاء الديوان السياسي لجبهة التحرير الوطني الجزائرية وتسنم رئاسة السلطة وعلى نهج الحكم الرئاسي "وانموذجا الجمهورية الفرنسية الخامسة ".
واذا ما كان ميثاق الجزائر /1964 " حصيلة المؤتمر الاول لجبهة التحرير الوطني ، بعد اعلانها "حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري " الوحيد ، واحتكار السلطة لوحدها ، نجم عن ذلك مايلي : أ – تورم هذا الحزب لدرجة الانتفاخ ، بالتحاق اعداد غير مؤهلة الاعداد والتكوين ، بل والكثير منها بدوافع نفعية " انهازية " ولمست الجماهير الشعبية هذا التدفق على الالتحاق في صفوف الثورة والانتظام في فصائلها المسلحة بعيد اعلان ايقاف اطلاق النار "16/آذار/1962 " ب- تواري العديد من المجاهدين وقد دب السأم الثوري في نفوسهم .. فضعفت خاصية الاندفاع الثوري وتكرست النفعية والذاتية .. وهذا ما حصل في العراق ويحصل وهو قائم في بعض قيادات الاحزاب المتفردة بالسلطة .
حقا ، انجزت قضايا اساسية وتحققت مشاريع اقتصادية كبرى لكنها سرعان ما توقفت واصبحت عالة على الاقتصاد الوطني ، فالثورة الزراعية والتسير الذاتي ، احتضنتها الجماهير الشعبية لكن التصنيع وخاصة التصنيع الثقيل "الصلب والحديد والفوسفات ، بقيت تراوح في مكانها ..." وتعرضت لاعمال التخريب من داخل السلطة نفسها ...
بعد التغيير الذي حصل في 19/حزيران/1965 ، وتنحية احمد بن بله وتسنم صدارة الحكم الجيش برئاسة العقيد " هوارى بومدين وحتى وفاته في نهاية العقد الثمانينيات من القرن المنصرم ومع وجود وثائق اساسية وهي وثائق برنامج "الميثاق الوطني ودستور البلاد " وجرى اقرارها باستفتاء شعبي عام /1976 ، لكنها لم تطبق بابداع ، وسادت البيروقراطية والفساد الاداري ، واشتدت مخاطر تداعيات الدولة الوطنية نفسها ..
ومن نتائج تفاقم الخلافات في داخل قيادة الحزب الواحد ، ان يحسم الصراع لصالح الاضعف في التشكيلة القيادية .. وبعد موت هواري بومدين تنافس على احتلال المركز الاول في الحزب والدولة شخصيتان هما "محمد صالح يحياوي وهو يساري وبتكوين ايديولوجي مادي ، وان كان عضوا في قيادة حزب جبهة التحرير الوطني الجزائر ، والاخر هو عبد العزيز بوتفليقة " الذي كان يشغل وظيفة وزير الخارجية وعضوا في قيادة الجبهة ، وهو من انصار عبد السلام بولعيد ومجموعة مؤيد الغرب والمصالح الرأسمالية ، فأسفر هذا الصراع عن انتخاب الشاذلي بن جديد لرئاسة الجمهورية وموقع الامين العام للحزب ، وهو شخص عسكري ، قائد منطقة وهران ، وعلى مستوى تكوين سياسي متوسط ، مع ما اشيع عن طيبته وتواضعه ..
اذا ما شخصت وثائق المؤتمرات العامة التي عقدت في تلك الفترة ومنها المؤتمر الخامس الذي تصدرت اعماله لافته شعار "مؤتمر الصرامة والعمل " والمنعقد في اواخر عام /1983 ، ففي التطبيق العملي والمسار الفعلي للدولة والحكومة ، لاصرامة ولاعمل حزبي ملتزم " انما نهج " بيروقراطي" وتساومات لحسم التناقضات ، تفاقمت لدرجة تنحي الشاذلي وبداية تنفيذ عمليات ارهابية ، مازالت قائمة ..
اقيمت انتخابات تشريعية في عام /1992 . فازت بأكثرية المقاعد جبهة الانقاذ " وهي جبهة دينية – اسلامية " وكان المفروض وحسب نتائج الانتخابات ان تتشكل رئاسة الحكومة برئاسة الجبهة الفائزة ، لكن الجيش تدخل ، فالغى نتائج الانتخابات ، وكان ذلك اجراء عد سابقة مخالفة للعرف الديمقراطي ..، وكما مثبت في وثائق احصائية حكومية ان القوى الدينية نفذت مايقارب "120" الف عملية قتل وتصفية جسدية ..
اغتيل عشية الاحتفالات بالذكرى الثلاثين على الاستقلال الوطني "29/6/1992 ، رئيس الدولة محمد بوضياف ، اغتيل رئيس الوزراء الاسبق قاصدي مرباح ، في وقت تزامن مع اقالة عبد السلام بولعيد رئيس الوزراء " وهو رجل رؤوس الاموال الغربية كما سبق وان ذكرنا " ثم عين اللواء الأمين زروال وزير الدفاع رئيسا للدولة ، وكان من المفروض تعيين عبد العزيز بوتفليقة ، لكن بوتفليقة رفض واشترط ان تمتد صلاحياته إلى ادارة الجيش والقوات المسلحة .. وكان له في الاخير ما أراد وهو يشغل هذا المنصب لدورتين متتاليتين ..
مسلسل الارهاب متواصل ، وبالتزامن مع تداعي مسارات الدولة وتخليها عن توجهاتها المرسومة في مجال الاقتصاد والزراعة ..وقد حصل في أيلول لها العام 2007 ثلاثة تفجيرات استهدف احدها رئيس الدولة اثناء زيارته لاحدى ولايات الجنوب الجزائري ..
تفاقم ازمة الحكم واشتدت مخاطر تداعيات الدولة ، وتخلى العديد من رموز الحكم " قيادات حزب جبهة التحرير الوطني " ليس عن مسؤولياتها في تحمل الاخطاء وتعرض انجازات نضال الشعب إلى الضياع ، فحسب بل والتحاق العديد منهم بالقوى اليمينية والتخندق في مواضيع احزاب ومنظمات معادية للتوجهات التقدمية وللنهج الوطني ، الذي قدمت الجماهير الشعبية على طريقة دماء " مليون ونصف المليون شهيد ، وخلال نضال مسلح لاكثر من ثمان سنوات وتوارث مسار تاريخي منذ احتلال الجزائر عام "1830" .
واذا ما تصورت القيادات المتربعة على سدة المسؤولية ، انها قادرة على الحفاظ على عروشها وكراسي حكمها المترنحة بالبطش والارتماء بأحضان الدوائر الاجنبية ، فهذه القيادات واهمة مخطئة ، الطريق السليم والآمن لاستمرارية النهج التقدمي والمسار السليم هو الديمقراطية ونهج تبادل مسؤوليات ادارة الدولة وبمشاركة الشعب ، فالشعب وحده صاحب المصلحة في حفظ أمن ونظام الدولة وصيانة مكتسباتها
اولا - الانفصال عن فرنسا . ثانيا - الاندماج في فرنسا . ثالثا - الفيدرالية أو الاتحاد مع فرنسا .
وتعهد ديغول باجراء استفتاء عام يعبر فيه الشعب الجزائري عما يريده من الحكم ، بقوله :- " التزم ان اطلب من الجزائرين مانوع رغبتهم ، وما المصير الذي يقررونه لانفسهم ، كما اطلب من الشعب الفرنسي ان يوافق الموافقة التامة على ما يتخذه الشعب الجزائري من اجراءات **" وجاء في رد الحكومة الجزائرية المؤقتة على تصريح الجنرال ديغول بما يلي :- " لقد اعترف الجنرال ديغول رئيس جمهورية فرنسا على الملأ باسم فرنسا ، في التصريح ، الذي ادلى به في " 16/9/1959 " اعترافا صريحا بحق الجزائريين في تقرير مصيرهم ** ثم يقول : ان حرية اختيار الشعب الجزائري لايمكن ان تمارس تحت ضغط جيش احتلال بلغت قواته اكثر من نصف مليون ، ويعادله من رجال الدرك والشرطة والحرس المتجول ، كما لايمكن ممارستها تحت ضغط اجهزة ادارية عرفت بتقاليدها الراسخة في فن تزييف الانتخابات **"
قاومت الجماهير الجزائرية بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية كل الاساليب ، التي انتهجتها سلطات الاحتلال ، بما في ذلك رفض اجراء الاستفتاء على مشاريع لتكريس الاحتلال وتشويه التوجيهات الوطنية ، مثل مشروع الدستور الفرنسي الجديد ، ومشروع قسنطينة **
وبعد القضاء على التمرد الفاشي ، الذي قامت به مجموعة الجنرالات ، ودعاة مواصلة الحرب اعلن الجنرال ديغول في " 8/مايس/1961 " برنامجا جديدا للمفاوضات مع ممثلي الجبهة والحكومة المؤقتة الجزائرية .
بدأت المفاوضات في "20/نيسان/1961 في مدينة " ايفيان " بين ممثلي الطرفين ، ودامت ثلاثة اسابيع ، حتى 14/حزيران/ 1961 ، ورفض الوفد الجزائري ومنذ اللحظة الاولى التنازل عن أي شبر من اراضي الصحراء .. ومع توقف المفاوضات ،لكنها اسؤنفت في" 20/ حزيران/1961 " مع اصرار قيادة الثورة الجزائرية على عدم المساومة ، لهذا توقفت ، ثم استؤنفت ثانية في 31/حزيران/1961 ، وكانت حصيلتها اعتراف السلطات الفرنسية بجبهة التحرير الوطني كممثل شرعي ووحيد للشعب الجزائري ..
وقد اظهرت البرجوازية الجزائرية المتمثلة بشخص رئيس الحكومة المؤقتة " فرحات عباس " موقفا توفيقيا مهادنا .. وقد رفضته الجماهير الشعبية الجزائرية ، واتخذت قيادة الجبهة الوطنية في موتمرها المنعقد في طرابلس في آب/1961 قرارا بابعاد رئيس الحكومة عن مهمته وابدالة بالسيد يوسف بن خده . وكان فرحات عباس زعيم حزب الشعب وهو الذي ينكر وجود امة جزائرية ، كما سبق ان بينا ، اما السيد يوسف بن خده فهو من ممثلي الفئات الشعبية .."
استعيد مواصلة التفاوض وعلى مبدأ الاعتراف باستقلال الجزائر وبقيادتها الشرعية والوحيدة جبهة التحرير الوطني وحكومتها المؤقتة " 11-19/شباط/1962" وبتراجع فرنسا عن مشروع فصل الصحراء عن الجزائر ، كما اعترفت للحكومة المؤقتة الجزائرية بحق الدفاع وانتهاج سياستها وبتكوين جيشها الوطني وتخطيط سياستها الخارجية وعلى وفق مايحقق مصالحها الوطنية ..
عرض الوفد الجزائري تلك الشروط على الحكومة المؤقتة ، وقررت الحكومة عرض سير التفاوض ونقاطه على المجلس الوطني الجزائري ، وبعد نقاش استمر سته ايام في اجتماعات الحكومة وقيادة الثورة ، تقرر في "28/شباط/ 1962" تكليف الحكومة المؤقتة بتأليف وفد بمهمة التفاوض حتى نهايته ..
في السابع من شهر مارس "اذار/1962 ، افتتحت المفاوضات الرسمية في "ايفان" وبمشاركة وفد فرنسي رسمي مؤلف من الوزراء "لوىجوكس" وروبيربيوران، وجلن دوبراليي " ومن الحكومة الجزائرية المؤقتة وفد متكون من " كريم بلقاسم " وسعد دحلب ، وبن طوبال ، ومحمد يزيد واستمرت المفاوضات وبظروف صعبة "12" يوما ، وحتى اعلان نجاحها في الساعة الثانية عشر من يوم 19 آذار-مارس /1962 ، وكان ذلك عيد وطنيا للشعب الجزائري ..
وشكلت لجنة تنفيذية قوامها "12" عضوا ، ثلاثة فرنسين واربعة جزائريين ، للاعداد لوقف اطلاق النار حسب اتفاقيات "ايفيان 19/آذار/1962 وتستمر لثلاثة اشهر أو ستة ، وحسب مقتضى الامر وفي الخامس من تموز /1962 اعلان الاستقلال وقيام الدولة الجزائرية الديمقراطية والشعبية .
الدولة الوطنية – الديمقراطية ومسارها : - ولدت الدولة الجزائرية بعد مخاض دام ثمان سنوات من الكفاح المسلح المرير . وبتضحيات اكثر من مليون ونصف المليون شهيد ، وهي كغيرها من الدول الفتية ، تحمل امراض الطفولة ومخاطرها ، ومع انها ولدت في ظروف موضوعية ملائمة حيث تعاظم قوى الثورة العالمية " المعسكر الاشتراكي ، وبتحالف الطبقة العاملة العالمية وقوى اليسار وحركة التحرر الوطني العالمية – في العالم الثالث وكان لحركة التحرر العربي مكانة متميزة وفي الصداره من قوى الثورة العالمية ، وفي مثل هذه الظروف تحقق الانتصار واقامة الدولة الجزائرية .. لكنها ورثت عن نهج واقامة الدولة الوطنية الديمقراطية امراضا خطيرة ، منها نهج وسياسة الحزب الواحد ، وهذه الامراض توارثتها الدولة الوطنية الديمقراطية عن تجارب الدولة الاشتراكية التي قامت منذ ثورة اكتوبر /1917 ، واتسعت بعد الحرب العالمية الثانية ، باقامة المعسكر الاشتراكي.
ومنذ اقامة الحكومة بعيد اعلان الاستقلال "5/تموز/1962" اشتد الصراع بين قيادات الثورة وحسم بعد زحف احمد بن بله وقطعات من جيش التحرير الوطني وبتأيد اعضاء الديوان السياسي لجبهة التحرير الوطني الجزائرية وتسنم رئاسة السلطة وعلى نهج الحكم الرئاسي "وانموذجا الجمهورية الفرنسية الخامسة ".
واذا ما كان ميثاق الجزائر /1964 " حصيلة المؤتمر الاول لجبهة التحرير الوطني ، بعد اعلانها "حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري " الوحيد ، واحتكار السلطة لوحدها ، نجم عن ذلك مايلي : أ – تورم هذا الحزب لدرجة الانتفاخ ، بالتحاق اعداد غير مؤهلة الاعداد والتكوين ، بل والكثير منها بدوافع نفعية " انهازية " ولمست الجماهير الشعبية هذا التدفق على الالتحاق في صفوف الثورة والانتظام في فصائلها المسلحة بعيد اعلان ايقاف اطلاق النار "16/آذار/1962 " ب- تواري العديد من المجاهدين وقد دب السأم الثوري في نفوسهم .. فضعفت خاصية الاندفاع الثوري وتكرست النفعية والذاتية .. وهذا ما حصل في العراق ويحصل وهو قائم في بعض قيادات الاحزاب المتفردة بالسلطة .
حقا ، انجزت قضايا اساسية وتحققت مشاريع اقتصادية كبرى لكنها سرعان ما توقفت واصبحت عالة على الاقتصاد الوطني ، فالثورة الزراعية والتسير الذاتي ، احتضنتها الجماهير الشعبية لكن التصنيع وخاصة التصنيع الثقيل "الصلب والحديد والفوسفات ، بقيت تراوح في مكانها ..." وتعرضت لاعمال التخريب من داخل السلطة نفسها ...
بعد التغيير الذي حصل في 19/حزيران/1965 ، وتنحية احمد بن بله وتسنم صدارة الحكم الجيش برئاسة العقيد " هوارى بومدين وحتى وفاته في نهاية العقد الثمانينيات من القرن المنصرم ومع وجود وثائق اساسية وهي وثائق برنامج "الميثاق الوطني ودستور البلاد " وجرى اقرارها باستفتاء شعبي عام /1976 ، لكنها لم تطبق بابداع ، وسادت البيروقراطية والفساد الاداري ، واشتدت مخاطر تداعيات الدولة الوطنية نفسها ..
ومن نتائج تفاقم الخلافات في داخل قيادة الحزب الواحد ، ان يحسم الصراع لصالح الاضعف في التشكيلة القيادية .. وبعد موت هواري بومدين تنافس على احتلال المركز الاول في الحزب والدولة شخصيتان هما "محمد صالح يحياوي وهو يساري وبتكوين ايديولوجي مادي ، وان كان عضوا في قيادة حزب جبهة التحرير الوطني الجزائر ، والاخر هو عبد العزيز بوتفليقة " الذي كان يشغل وظيفة وزير الخارجية وعضوا في قيادة الجبهة ، وهو من انصار عبد السلام بولعيد ومجموعة مؤيد الغرب والمصالح الرأسمالية ، فأسفر هذا الصراع عن انتخاب الشاذلي بن جديد لرئاسة الجمهورية وموقع الامين العام للحزب ، وهو شخص عسكري ، قائد منطقة وهران ، وعلى مستوى تكوين سياسي متوسط ، مع ما اشيع عن طيبته وتواضعه ..
اذا ما شخصت وثائق المؤتمرات العامة التي عقدت في تلك الفترة ومنها المؤتمر الخامس الذي تصدرت اعماله لافته شعار "مؤتمر الصرامة والعمل " والمنعقد في اواخر عام /1983 ، ففي التطبيق العملي والمسار الفعلي للدولة والحكومة ، لاصرامة ولاعمل حزبي ملتزم " انما نهج " بيروقراطي" وتساومات لحسم التناقضات ، تفاقمت لدرجة تنحي الشاذلي وبداية تنفيذ عمليات ارهابية ، مازالت قائمة ..
اقيمت انتخابات تشريعية في عام /1992 . فازت بأكثرية المقاعد جبهة الانقاذ " وهي جبهة دينية – اسلامية " وكان المفروض وحسب نتائج الانتخابات ان تتشكل رئاسة الحكومة برئاسة الجبهة الفائزة ، لكن الجيش تدخل ، فالغى نتائج الانتخابات ، وكان ذلك اجراء عد سابقة مخالفة للعرف الديمقراطي ..، وكما مثبت في وثائق احصائية حكومية ان القوى الدينية نفذت مايقارب "120" الف عملية قتل وتصفية جسدية ..
اغتيل عشية الاحتفالات بالذكرى الثلاثين على الاستقلال الوطني "29/6/1992 ، رئيس الدولة محمد بوضياف ، اغتيل رئيس الوزراء الاسبق قاصدي مرباح ، في وقت تزامن مع اقالة عبد السلام بولعيد رئيس الوزراء " وهو رجل رؤوس الاموال الغربية كما سبق وان ذكرنا " ثم عين اللواء الأمين زروال وزير الدفاع رئيسا للدولة ، وكان من المفروض تعيين عبد العزيز بوتفليقة ، لكن بوتفليقة رفض واشترط ان تمتد صلاحياته إلى ادارة الجيش والقوات المسلحة .. وكان له في الاخير ما أراد وهو يشغل هذا المنصب لدورتين متتاليتين ..
مسلسل الارهاب متواصل ، وبالتزامن مع تداعي مسارات الدولة وتخليها عن توجهاتها المرسومة في مجال الاقتصاد والزراعة ..وقد حصل في أيلول لها العام 2007 ثلاثة تفجيرات استهدف احدها رئيس الدولة اثناء زيارته لاحدى ولايات الجنوب الجزائري ..
تفاقم ازمة الحكم واشتدت مخاطر تداعيات الدولة ، وتخلى العديد من رموز الحكم " قيادات حزب جبهة التحرير الوطني " ليس عن مسؤولياتها في تحمل الاخطاء وتعرض انجازات نضال الشعب إلى الضياع ، فحسب بل والتحاق العديد منهم بالقوى اليمينية والتخندق في مواضيع احزاب ومنظمات معادية للتوجهات التقدمية وللنهج الوطني ، الذي قدمت الجماهير الشعبية على طريقة دماء " مليون ونصف المليون شهيد ، وخلال نضال مسلح لاكثر من ثمان سنوات وتوارث مسار تاريخي منذ احتلال الجزائر عام "1830" .
واذا ما تصورت القيادات المتربعة على سدة المسؤولية ، انها قادرة على الحفاظ على عروشها وكراسي حكمها المترنحة بالبطش والارتماء بأحضان الدوائر الاجنبية ، فهذه القيادات واهمة مخطئة ، الطريق السليم والآمن لاستمرارية النهج التقدمي والمسار السليم هو الديمقراطية ونهج تبادل مسؤوليات ادارة الدولة وبمشاركة الشعب ، فالشعب وحده صاحب المصلحة في حفظ أمن ونظام الدولة وصيانة مكتسباتها
- الجزائر مهمات الثورة ومخاطر تداعيات الدولة "الجزء الثاني"
- الجزائر مهمات الثورة ومخاطر تداعيات الدولة "الجزء الأول"
- الجزائر مهمات الثورة ومخاطر تداعيات الدولة "بداية الموضوع"
- ادور الدبلوماسية الجزائرية إبان الثورة التحريرية وتأثيرها على الحركات التحررية في العالم الثالث..04..
- ادور الدبلوماسية الجزائرية إبان الثورة التحريرية وتأثيرها على الحركات التحررية في العالم الثالث..02..
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى