الجزائر مهمات الثورة ومخاطر تداعيات الدولة "الجزء الأول"
الجمعة مايو 08, 2009 12:05 am
قد يكون من السهل صنع تاريخ العالم ، لو كان النضال لايقوم الا ضمن ظروف تؤدي حتماً الى النجاح" – ماركس.
النضال التحريري الجزائري ومقاومة الشعب للغزو الاجنبي وللاحتلال الاستيطاني وان اتسم بما هو عام لحركة التحرر العربي ، فخصائصه الوطنية متميزة . ، بموروثها وارثها المتراكم عبر المعارك البطولية وخلال احقاب تاريخية سحيقة ..
ومنـﺫ القرن الثاني قبل الميلاد وحتى القرن السابع بعد ميلاد المسيح سجلت هذه الحقبة صفحات خوض معارك جماهيرية ضد الغزو " الروماني والواندالي والبيزنطي " وقد رفضت الجماهير الجزائرية قبول اعتناق الديانات التي جاء الغزاة للتبشير بها.
وفي القرن الثامن من التقويم الميلادي ، حيث انتشار الاسلام وقد لاحت تباشيره في الشمال الافريقي ، استقبله الشعب الجزائري بقناعة ، لايمانه ، بأن هذا الدين جاء محرراً للانسان الجزائري ، ناشراً مفاهيم حضارية هي " الثقافة العربية –الاسلامية " وان التعاليم التي جاء بها الدين الحنيف ، من نبذ للعنصرية ورفض المنطلقات الشعوبية والعدالة بين البشر وصون الكرامة الانسانية .
غداة الاحتلال الاستعمار –الاستيطاني الفرنسي للجزائر عام "1830 " تكونت بؤر المقاومة الشعبية للاحتلال ، وكان الامير عبد القادر الجزائري رمز هذه المقاومة المسلحة . وبعد مقاومة وكفاح بطولي استمر "17 " سبعة عشر عاماً ، ولان المعركة غير متكافئة استطاعت قوى العدوان الفرنسي من القضاء على مقاومة الامير عبد القادر ، لكن المقاومة لم تخمد برغم ذلك .. فالانتفاضات البطولية المسلحة بقيادات وطنيين بواسل مثل " بو معزة ، وسليمان جلابي ، وبوبغلة ، والشيخ الحداد والمقراني ، تلك الشواخص البارزة في التاريخ البطولي لنضال الشعب الجزائري " وعلى الرغم من اساليب القمع الوحشي للغزاة الفرنسيين ، فالمقاومة تواصلت وحمل شعلتها قادة ولدوا في رحم واحضان الشعب وعبدت طريق النضال وعلى وفق متطلبات المعارك واحتساب عواقب الظروف الموضوعية والذاتية وتواصلت العمليات المسلحة للمقاومة حتى الحرب العالمية الاولى .
ثم تطلبت مرحلة العشرية الاولى من القرن العشرين ايجاد تنظيمات سياسية تستوعب المستجدات على الساحة الدولية ، منها ، صدى وتأثير ثورة اكتوبر الاشتراكية "1917 ، ونتائج الحرب العالمية .. واقتضت ضرورات النضال ، كما صورتها بعض القيادات الوطنية الجزائرية تنظيم حركات سياسية وبانتهاج اساليب جديدة وقد تهيئت الظروف الذاتية حيث اشتداد الخلاف حول تايد او رفض مشروع "بلوم –فيوليت " وكان ليون بلوم زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي رئيساً للحكومة الفرنسية ، وموريس فيوليت ، حاكماً عاماً في الجزائر .
ويتلخص هذا المشروع في الاعتراف للمثقفين الجزائرين بحقوق المواطنة الفرنسية ، دون ان يتخلوا عن شخصيتهم الجزائرية . وقد ايد المشروع كل من جمعية العلماء المسلمين والحزب الشيوعي الجزائري ، والشيخ عبد الحميد بن باديس ، على الرغم من سلبياته .. اي "مشروع بلوم فيوليت " ، كان محاولة لربط القيادات السياسية والمثقفين منهم بمدار سلطات الاستعمار –الاستيطاني ، ومن المؤسف له ، حتى الامير خالد ، الذي بايعته قوى اصلاحية على التربع وتسنم سدة المسؤولية ، لم يكن ثورياً ، وشأنه في ذلك شأن قادة الاشتراكين –الديمقراطين ، وابعد ما يكون على طريق نضال الديمقراطيين –الثوريين ..
ليس غريباً على الثورين التعامل مع الانتهازيين ومواقفهم ، ابان التراجعات الخطيرة والانتكاسات السياسية ، واذا ما قيل عن موقف الشيخ عبد الحميد بن باديس ، وبتأيده لمشروع بلوم –فيوليت ، كخطوة على طريق الاندماج ، مع العلم هو القائل في رده على تخرصات فرحات عباس ، الذي تزعم اول حكومة مؤقتة للثورة الجزائرية وحتى سنة 1961 ، حيث اقيل بقرارات مؤتمر طرابلس ، وقد زعم فرحات عباس " .. انه استنطق التاريخ والاثار والمقابر .. الخ فلم يجد للامة الجزائرية العربية اثراً .. "
شعر الشيخ بن باديس :
شعب الجزائر مسلم والى العروبة ينتسب
من قال حاد عن اصله او قال مات فقد كذب
او رام ادماجا له نال المحال من الطلب
من قال حاد عن اصله او قال مات فقد كذب
او رام ادماجا له نال المحال من الطلب
وحقيقة الامر من موقف الشيخ عبد الحميد بن باديس ، هو اراد المناورة ، وكان لموقف الحزب الشيوعي المؤيد لراى الشيخ بن باديس ما يزيل الشبهات .
كان لقرارات المؤتمر الاسلامي في الجزائر ، الذي انعقد في "7 /حزيران عام 1936 ، وقد جمع الكثير من ذوي الميول والاتجاهات السياسية ، ابتداء من " منظمة نجم الشمال الافريقي حتى اتحاد المنتخبين الذي كان مؤلفاً من المثقفين البرجوازيين بقيادة الأصلاحي "الدكتور محمد جلول " وهؤلاء من دعاة الاندماج بفرنسا . وقد نشب خلاف حاد داخل قاعات المؤتمر الاسلامي ، حول تأيد مشروع "بلوم –فيوليت " من عدمه .. واذا ما عولت القوى الاصلاحية على تنفيذ ذلك المشروع ، فأن مقدمي المشروع انفسهم تراجعوا عن المضي في تنفيذه ..
ان المنظمات التي ارادت انتهاج العمل السياسي في ظل الاحتلال والسيطرة الاستيطانية ، بدأ بمنظمة النجم الشمال الافريقي التي ما فتئت بالمطالبة باستقلال الجزائر منذ ان تكونت عام 1924 حتى ان اعلنت عن حل نفسها جراء الارهاب والضغوط ، التي مورست ضدها .. "1937 ".
ان التنظيمات السياسية ، التي ارادت قيادة النضال الوطني ، بعد ان حل حزب نجم الشمال الافيقي تنظيماته ، مثل حزب الشعب ، او منظمة احباب البيان ، او الاتحاد الديمقراطي للبيان ، او حركة انتصار الحريات .. والعديد من تلك المسميات ، بما فيها اللجنة الثورية للوحدة والفعل نضال تلك القوى جميعها قد آل الى الطريق المسدود ، واذا ما تأجلت ساعة المعركة ، فضرورتها بقيت قائمة ...
ان الاتجاه الاصلاحي الداعي الى اخضاع وجود الكيان الوطني الجزائري الى مخطط اندماج الجزائر بفرنسا ، والتخلي عن الكفاح المسلح، والاكتفاء بما يجود به المحتلون الفرنسيون رفض رفضا باتا . وان قوة الارادة الشعبية وحدها وايمانها باستحالة الوصول الى حل وتحقيق الاستقلال الوطني بالطرق السلمية ، فالاحتلال الذي سيطر على الجزائر بالقوة ، لن يخرج الا بالقوة ايضاً ..الخ
العمل المسلح والمقاومة الشعبية ، وهذه المرحلة الخطيرة من مراحل النضال الوطني الجزائري حيث اندلاع الثورة في الاول من تشرين الثاني .
كان بيان الاول من تشرين الثاني /1954 ، برنامجاً مرحلياً للثورة الجزائرية ، ونهجاً سياسياً لقيادة الثورة ، وهي تشكيلة من طراز جديد ، تخطت روتين الاحزاب والمنظمات التي كانت قائمة ، وان وظفت ما متراكم من خبرة وارث ثوري ..
عندما اندلعت الثورة وصدر بيان الاول من تشرين الثاني عام / 1954 ، لم يكن هنالك تصوراً عاماً وشاملاً باجماع كل افراد الشعب حول قيادة الثورة .. ، الا ان الخطوط العريضة للبيان جاءت لتوضيح السبل الضرورية لمواصلة النضال وتعبئة الجماهير لخوض حرب تحرير طويلة وشاقة ..
ان بيان الثورة " البيان الاول " في الاول من تشرين الثاني / 1954 ، وان كان موجزاً لايتعدى الصفحتين ، لكنه في مضمونه كان برنامجاً مكثفاً ومضغوط المحتويات والمضامين الثورية ، فالبيان ، يعني ايعازاً واجراء .. وتلخصت خطوطه العريضة بما يلي :-
البرنامج السياسي :الاستقلال الوطني ، بالتحرر واقامة الدولة الجزائرية ، على اسس المبادئ التالية ، الجزائر عربية في اطار امتها العربية واقليمها المغرب العربي ، الجزائر اسلامية وعلى اساس الشريعة السمحاء والدين الحنيف " اسلام المستضعفين " الجزائر افريقية ، ضمن هذه المنطقة والقارة السمراء بامتداداتها القومية والوطنية ..
واشار البيان الى الاهداف الداخلية والتنظيمية ، وتشخيص وسائل الكفاح المسلح ، وتحقيق اهداف الثورة بجميع اساليب النضال .. ، مثيراً الى تدابير اجرائية ، تطلبتها مرحلة الكفاح المسلح وظروفه الذاتية القائمة آنذاك .. واختتمت وثيقة النداء الاول بفقرة مناشدة الجزائريين بالقول ".. ايها الجزائري ..اننا ندعوك لتبارك هذه الوثيقة ، وواجبك هو ان تنضم اليها ، لانقاذ بلادنا والعمل على ان نسترجع له حريته ، ان جبهة التحرير الوطني هي جبهتك ، وانتصارها هو انتصارك ...
اما نحن ، العازمين على مواصلة الكفاح ، الواثقين من مشاعرك المناهضة للامبرياليين ، فاننا نقدم للوطن انفس ما نملك .."
ان الطروحات السياسية ، التي جاء بها بيان الاول من تشرين الثاني /1954 ، دحضت كل المقولات التي رددها عملاء الاحتلال الاستيطاني الفرنسي ، ومنظريه .. ومن المؤسف له ان الحزب الشيوعي الجزائري ، والذي كان فرعاً من الحزب الشيوعي الفرنسي هو احد القوى التي روجت كون الشعب الجزائري "الامة " في طور التكوين والتي لخصها خطاب موريس توريس اثناء زيارته في "11/شباط /عام 1939 حيث اسهب في سرد تاريخ الاقوام والجماعات التي استوطنت الجزائر ، والى ابرز شخوص تلك الجماعات ، ومنها القديس اغسطين والاب "دونات .. لكنه مر على عجالة واستصغار بالحضارة العربية الاسلامية ، والدور الريادي في تحرير الشعوب ومنها الشعب الجزائري الذي يعتز بعروبته وبمعتقده الاسلامي .. واذا ما اشار توريس في خطابه " ان الشعب الجزائري يتكون من اختلاط عشرين جنساً اثنياً وعرقياً .. " فمسار التاريخ وتفاعلاته تؤكد ولادة ها الشعبي في رحم امةٌ رؤوم.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى