- طاهري عالأمين العام للمنتدى
- الجنس :
عدد الرسائل : 547
العمر : 57
مقر الإقامة : زاوية الدباغ
تاريخ التسجيل : 10/12/2008
التقييم : 70
نقاط : 725
حوض البحر الأبيض المتوسط
الجمعة فبراير 20, 2009 10:17 pm
مثال لقارنة[1] شمال ـ جنوب: حوض البحر الأبيض المتوسط
ملتقى الحضارات القديمة، يشكل حوض المتوسط اليوم تجمعا سكانيا يقارب ال250 مليون نسمة يتوزعون على 25 دولة والتي يجمع بينها مناخ مشترك يعرف بمناخ البحر البيض المتوسط إلى جانب التشابه في الخصائص الفيزيائية للسطح.
إن التدفقات التي تعبر حوض المتوسط هامة ومتنوعة: بحيث كان ومازال يعتبر مجال للاتصال و التفاعل بين الحضارات، وبين الاقتصاديات المختلفة بين دول غير متساوية في التطور.
فهل يشكل هذا البحر حدا فاصلا رمزيا للتصدع العالمي؟ أم يعبر فعلا عن قارنة ومجال للتواصل بين مختلف أجزاء العالم؟
ما هي الخصائص التي تجعل من حوض المتوسط وحدة جغرافية متميزة؟
إن البحر الأبيض المتوسط الذي استمدت المنطقة اسمها منه، يشبه لحد بعيد بحرا مغلقا بمساحة تقدر ب2.5 مليون كلم2 بحيث لا يرتبط ببحار العالم إلا بواسطة مضيق جبل طارق. كما يعتبر من البحار الأكثر حيوية في مجال حركة التنقل العالمي حيث يربط بين الحركة القامة من المحيطين الهادي و الهندي شرقا نحو المحيط الأطلسي والعكس.
تحيط به مجموعة من السلاسل الجبلية، كما تشكل سواحله سهولا ضيقة تتركز بها غالبية الساكنة.
تتشابه في هذا المجال كذلك المشاكل البيئية الطبيعية مثل الجفاف وحرائق الغابات والفيضانات والهزات الزلزالية
الدور التاريخي والحضاري للمتوسط:
كان البحر الأبيض المتوسط و مازال يلعب الأدوار الحضارية الأولى بدءا بالفينيقيين والإغريق والرومان والمسلمين.
يعتبر المتوسط منطلق الديانات السماوية الثلاث: اليهودية ـ المسيحية ـ الإسلام. وبذلك كان مسرحا للمواجهة والتلاقي في الفترات الأكثر طولا في التاريخ الإنساني: الفتوحات الإسلامية ـ الحملات الصليبية ـ العهد العثماني ـ الاستعمار الأوربي الحديث ـ ...
هل يمثل المتوسط حدا فاصلا بين الشمال والجنوب؟
من خلال الوثائق المرفقة (الخريطتين) ومن خلال استرجاع الخريطة التقليدية التي تقسم العالم وفق نظرية ألفريد سوفي نجد أن الخط الفاصل بين الشمال والجنوب يعبر البحر الأبيض المتوسط، وعلى العموم هناك تباين واضح بين الضفة الشمالية والضفة الجنوبية للمتوسط.
ديمغرافيا: في الشمال حيث الدول الأوربية المنتمية لعالم الشمال قد استكملت الانتقالية الديمغرافية (transition démographique)[2]
كما تتميز بمعدل خصوبة جد منخفض (1.2 مولود لكل مرأة في ايطاليا و اسبانيا و1.9 في فرنسا).
بالمقابل فإن البلدان الواقعة في الضفة الجنوبية فإن الزيادة الطبيعية مازالت مرتفعة، ونفس الملاحظة لمعدل الخصوبة(2.5 في أغلب الدول)، وهذا التباين يمكن تفسيره باختلاف الدين والتقاليد ومستوى المعيشة ووضع المرأة في المجتمع.[3]
إن الوضع الديمغرافي لكل ضفة ترك أثارا متباينة: ففي دول المغرب العربي حيث ثلث السكان دون الـ15 سنة أدى إلى تحديات كبرى للدول فيما يتعلق بالتعليم والسكن ومناصب العمل، وعلى العكس من ذلك بدأت دول الضفة الشمالية تعرف وضعا شبيها بالدول الاسكندينافية والذي يتمثل في ارتفاع معدل الشيخوخة ونقص اليد العاملة[4]
اجتماعيا: من خلال الرسم يتبين بشكل واضح التباين في مؤشر التنمية البشرية بين دول الضفة الشمالية والجنوبية للمتوسط فهو يزيد عن 0.85 في أغلب دول الضفة الشمالية، ومنخفض بالنسبة لدول الضفة الجنوبية.
اقتصاديا: دول الضفة الشمالية الأوربية تتميز بوجود قاعدة اقتصادية صناعية وزراعية متطورة جدا بالنسبة للدول العربية في الجنوب والشرق. كما تتواجد بها منطقة شديدة التركيز العمراني تدعمها هياكل قاعدية حديثة( موانئ كبرى ـ طرق سريعة ـ مطارات دولية ـ مرافق سياحية ـ ...) أما الضفة الجنوبية فهي في وضع مشابه من حيث تركز السكان لكنها في بداية التنمية.
إن التحليل السابق تحليل عام لا يضع الاستثناءات في الحسبان، و عليه إذا أردنا التدقيق أكثر نجد العديد من حالات العالم الثالث في الشمال: ولنأخذ على سبيل المثال: الجنوب الايطالي وألبانيا والبوسنة وجنوب اليونان حيث مازالت اقتصاديات هذه المناطق في حالة من التخلف النسبي، وعلى العكس نجد بعض حالات التطور في بعض مناطق الضفة الجنوبية، خاصة في البلدان المالكة للثروة البترولية ( ليبيا ـ الجزائر)، في حين تشكل إسرائيل الاستثناء بالنسبة للقاعدة العامة.
و عليه يمكن القول أن الحدود الفاصلة بين الضفتين ليست واضحة تماما كما لا يمكن تمثيلها بشكل خطي،[5] ومن هذا المنطلق و بالنظر إلى الدينامكية المميزة للمنطقة والمتمثلة في ذلك التدفق الهائل بين الضفتين والتحولات الراهنة فإن وصف منطقة المتوسط بالقارنة (Interface ) أكثر دلالة من الحد أو التصدع.
ما هي أسباب التباين بين الشمال والجنوب؟
مرة أخرى نجد أنفسنا أمام الإشكالية التقليدية المتعلقة بالبحث في أسباب التخلف وعوامل التقدم، ومهما اختلفت وجهات النظر لا يمكن في حالة المتوسط إغفال العامل التاريخي فلفترة قريبة كانت دول الضفة الشمالية تستعمر دول الضفة الجنوبية وورثت بذلك تركة ثقيلة من التخلف على جميع الأصعدة فأصبحت عاجزة عن توفير الغذاء الأساسي لسكانها وهي التي كانت فيما مضى تمون أوربا ليس في العهد الروماني أو في العصور الوسطي وإنما لفترة وجيزة بعد الحرب العالمية الثانية وقبيل قيام السوق الأوربية المشتركة والتي من أكبر نجاحاتها النهوض بالزراعة الأوربية، أما ثقافيا فلا يمكن لعاقل أن ينكر دور العرب المسلمين سكان الضفة الجنوبية في نهضة أوربا وتطورها و حتى اليوم فإن دول الضفة الشمالية تستفيد من ظاهرة نزيف الأدمغة من الجنوب...
كما أن العلاقات غير المتكافئة تجاريا رجحت وباستمرار ميزان التفوق لدول الضفة الشمالية.[6]
التدفقات في المجال المتوسطي:
التدفقات البشرية: منذ القديم كان المتوسط فضاء يتميز بحركة تنقل كبيرة للسكان بين ضفتيه الشمالية والجنوبية:
-هجرة المعمرين الأوربيين في القرنين التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين نحو بلدان المغرب العربي الثلاثة (الجزائر ـ تونس ـ المغرب)
-هجرة العمالة، بعد الاستقلال، وفي الاتجاه المعاكس أي من دول المغرب العربي نحو أوربا.
-هجرة العمالة الاسبانية والبرتغالية نحو فرنسا فبل انضمامهما للاتحاد الأوربي.
-الهجرة العابرة من إفريقيا جنوب الصحراء مرورا بالمغرب العربي نحو أوربا.
-الهجرة الموسمية المتمثلة في انتقال السياح الأوربيين نحو المرافق السياحية في الضفة الجنوبية[7]
إن المناطق المعنية أكثر بظاهرة الهجرة من دول جنوب الصحراء والتي أصبحت[8] تشكل ما يعرف بملف الهجرة السرية أو الهجرة غير الشرعية أو الهجرة غير الرسمية هي: تركيا ـ مصر ـالمغرب ـ الجزائر ـ تونس، وهي هجرة تخص الفئات الشابة من الذكور غير المؤهلين مهنيا.
التدفقات المالية:
تدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة (IDE) في إطار التحويل الصناعي من الشمال نحو الجنوب، والدول الأكثر استفادة هي: تركيا ـ المغرب ـ تونس وبدرجة أقل مصر ولبنان.
التحويلات المالية من الدول البترولية في شكل ودائع في البنوك الأوربية.
تحويلات المهاجرين من العمال.
مداخيل الموارد السياحية من العملة الصعبة والتي أصبحت تلعب دورا هاما في اقتصاديات بعض البلدان مثل تونس والمغرب.
التدفقات التجارية: إن التبادل التجاري جد معتبر بين الضفتين: دول الضفة الشمالية تصدر مواد مصنعة في حين تصدر الدول الجنوبية مواد أولية خام أو نصف مصنعة، والتفوق لصالح دول الضفة الشمالية.[9]
{ نسجل هنا بعض المحاولات الهادفة إلى تحقيق التوازن التجاري في إطار مؤتمر برشلونة وال5+5 إلى جانب جولات (rounds) في إطار التفاوض من أجل الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة}
واقع حوض المتوسط في ظل العولمة:
إن ظاهرة العولمة أدت إلى نتائج متباينة على المنطقة سواء على المستوى الاقتصادي، حيث تجاوبت بعض المناطق ايجابيا مع هذه الظاهرة كإسبانيا وتركيا والبرتغال وبدرجة أقل تونس والمغرب في حين تبقى مناطق أخرى بعيدة عن الاندماج في النسق الاقتصادي العالمي مثل الجزائر وليبيا، كما تأثرت مناطق أخرى بشكل سلبي رغم وزنها الاقتصادي الكبير مثل الجنوب الفرنسي لصالح الشمال الفرنسي ونفس القول بالنسبة للجنوب الايطالي.
أما على المستوى الثقافي فالحركات الرافضة لظاهرة العولمة الثقافية أكثر انتشارا من غيرها في أي منطقة في العالم سواء على الجانب الأوربي أو الجانب الإسلامي، و يمكن تفسير ذلك بالوزن الحضاري للمتوسط، وكيف لا وهو المنطقة التي طالما وصفت بأنها المركز الصانع للحضارة في العالم (Le Centre civilisateur).
ما يجب التركيز عليه: إن حوض المتوسط يشكل بالفعل قارنة بين الشمال والجنوب تتفاعل بها كل المؤثرات بين العالمين، و هو بذلك يشكل وضعية متميزة بخصوصياتها السكانية و الإنسانية والثقافية والاقتصادية رغم التباين الموجود بين ضفتيه الشمالية والجنوبية،ورغم الأزمات التي تعرفها المنطقة يمكنها في ظل التعاون الحقيقي بين دولها من أن تعود للعب دورها كمركز صانع للحضارة الإنسانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
[1] قارنة: منطقة ربط والتقاء (سبق التعريف بهذا المصطلح)
[2] سبق وأن تعرفت على المصطلح في السنة الثانية، ثم استرجاعه في الوحدة الأولى / الوضعية الأولى:<< معايير التصنيف.....>>
[3] هنا لست بصدد مناقشة أي وضع هو أفضل للمرأة، فهذا ليس من اختصاص الجغرافيا، لكن الحقيقة الإحصائية(Statistique) تؤكد أن معدل الخصوبة يرتبط بوضع المرأة داخل المجتمع/ كما يجب الانتباه أن ارتفاع معدل الخصوبة لا يعتبر عاملا سلبيا بالضرورة لأنه مرتبط بمستوى النمو الاقتصادي أما الانخفاض الحاد في معدل الخصوبة فهو عامل سلبي دون اعتبار مستوى النمو الاقتصادي الراهن لأن الانعكاسات المستقبلية للانخفاض الشديد ستكون مدمرة.
[4] يعتبر التفوق الديمغرافي لدول الضفة الجنوبية خطرا استراتيجيا بالنسبة للسياسيين في أوربا تحت عنوان:<< الخطر القادم من الجنوب>>
[5] إن الخط الفاصل بين الشمال والجنوب والذي يفصل المنطقة والذي سبق و أن تعرفت عليه فيه كثير من التعميم والشمولية و هو بذلك غير دقيق.
[6] يجب هنا عدم إغفال العوامل الذاتية في دول الضفة الجنوبية والتي سبق وأشرنا إليها في موضوع عالم الجنوب وقضايا التنمية.
[7] تذكر ظاهرة عشق الشمس (Héliotropisme) التي تعرفت عليها في موضوع المجال الجغرافي للولايات المتحدة/ خاصة فيما يتعلق بموضوع نطاق الشمس (Belt Sun)
[8] إن المصطلح الذي نراه مناسبا أكثر هو: الهجرة غير الرسمية، أي غير المنضبطة بإجراءات إدارية. أما كونها شرعية أم غير شرعية فهذا يتجاوز مجال تخصصنا
[9] عليك بمراجعة مفهوم القيمة المضافة المرتفعة والقيمة المضافة المنخفضة في موضوع/ عالم الجنوب وقضايا التنمية.
ملتقى الحضارات القديمة، يشكل حوض المتوسط اليوم تجمعا سكانيا يقارب ال250 مليون نسمة يتوزعون على 25 دولة والتي يجمع بينها مناخ مشترك يعرف بمناخ البحر البيض المتوسط إلى جانب التشابه في الخصائص الفيزيائية للسطح.
إن التدفقات التي تعبر حوض المتوسط هامة ومتنوعة: بحيث كان ومازال يعتبر مجال للاتصال و التفاعل بين الحضارات، وبين الاقتصاديات المختلفة بين دول غير متساوية في التطور.
فهل يشكل هذا البحر حدا فاصلا رمزيا للتصدع العالمي؟ أم يعبر فعلا عن قارنة ومجال للتواصل بين مختلف أجزاء العالم؟
ما هي الخصائص التي تجعل من حوض المتوسط وحدة جغرافية متميزة؟
إن البحر الأبيض المتوسط الذي استمدت المنطقة اسمها منه، يشبه لحد بعيد بحرا مغلقا بمساحة تقدر ب2.5 مليون كلم2 بحيث لا يرتبط ببحار العالم إلا بواسطة مضيق جبل طارق. كما يعتبر من البحار الأكثر حيوية في مجال حركة التنقل العالمي حيث يربط بين الحركة القامة من المحيطين الهادي و الهندي شرقا نحو المحيط الأطلسي والعكس.
تحيط به مجموعة من السلاسل الجبلية، كما تشكل سواحله سهولا ضيقة تتركز بها غالبية الساكنة.
تتشابه في هذا المجال كذلك المشاكل البيئية الطبيعية مثل الجفاف وحرائق الغابات والفيضانات والهزات الزلزالية
الدور التاريخي والحضاري للمتوسط:
كان البحر الأبيض المتوسط و مازال يلعب الأدوار الحضارية الأولى بدءا بالفينيقيين والإغريق والرومان والمسلمين.
يعتبر المتوسط منطلق الديانات السماوية الثلاث: اليهودية ـ المسيحية ـ الإسلام. وبذلك كان مسرحا للمواجهة والتلاقي في الفترات الأكثر طولا في التاريخ الإنساني: الفتوحات الإسلامية ـ الحملات الصليبية ـ العهد العثماني ـ الاستعمار الأوربي الحديث ـ ...
هل يمثل المتوسط حدا فاصلا بين الشمال والجنوب؟
من خلال الوثائق المرفقة (الخريطتين) ومن خلال استرجاع الخريطة التقليدية التي تقسم العالم وفق نظرية ألفريد سوفي نجد أن الخط الفاصل بين الشمال والجنوب يعبر البحر الأبيض المتوسط، وعلى العموم هناك تباين واضح بين الضفة الشمالية والضفة الجنوبية للمتوسط.
ديمغرافيا: في الشمال حيث الدول الأوربية المنتمية لعالم الشمال قد استكملت الانتقالية الديمغرافية (transition démographique)[2]
كما تتميز بمعدل خصوبة جد منخفض (1.2 مولود لكل مرأة في ايطاليا و اسبانيا و1.9 في فرنسا).
بالمقابل فإن البلدان الواقعة في الضفة الجنوبية فإن الزيادة الطبيعية مازالت مرتفعة، ونفس الملاحظة لمعدل الخصوبة(2.5 في أغلب الدول)، وهذا التباين يمكن تفسيره باختلاف الدين والتقاليد ومستوى المعيشة ووضع المرأة في المجتمع.[3]
إن الوضع الديمغرافي لكل ضفة ترك أثارا متباينة: ففي دول المغرب العربي حيث ثلث السكان دون الـ15 سنة أدى إلى تحديات كبرى للدول فيما يتعلق بالتعليم والسكن ومناصب العمل، وعلى العكس من ذلك بدأت دول الضفة الشمالية تعرف وضعا شبيها بالدول الاسكندينافية والذي يتمثل في ارتفاع معدل الشيخوخة ونقص اليد العاملة[4]
اجتماعيا: من خلال الرسم يتبين بشكل واضح التباين في مؤشر التنمية البشرية بين دول الضفة الشمالية والجنوبية للمتوسط فهو يزيد عن 0.85 في أغلب دول الضفة الشمالية، ومنخفض بالنسبة لدول الضفة الجنوبية.
اقتصاديا: دول الضفة الشمالية الأوربية تتميز بوجود قاعدة اقتصادية صناعية وزراعية متطورة جدا بالنسبة للدول العربية في الجنوب والشرق. كما تتواجد بها منطقة شديدة التركيز العمراني تدعمها هياكل قاعدية حديثة( موانئ كبرى ـ طرق سريعة ـ مطارات دولية ـ مرافق سياحية ـ ...) أما الضفة الجنوبية فهي في وضع مشابه من حيث تركز السكان لكنها في بداية التنمية.
إن التحليل السابق تحليل عام لا يضع الاستثناءات في الحسبان، و عليه إذا أردنا التدقيق أكثر نجد العديد من حالات العالم الثالث في الشمال: ولنأخذ على سبيل المثال: الجنوب الايطالي وألبانيا والبوسنة وجنوب اليونان حيث مازالت اقتصاديات هذه المناطق في حالة من التخلف النسبي، وعلى العكس نجد بعض حالات التطور في بعض مناطق الضفة الجنوبية، خاصة في البلدان المالكة للثروة البترولية ( ليبيا ـ الجزائر)، في حين تشكل إسرائيل الاستثناء بالنسبة للقاعدة العامة.
و عليه يمكن القول أن الحدود الفاصلة بين الضفتين ليست واضحة تماما كما لا يمكن تمثيلها بشكل خطي،[5] ومن هذا المنطلق و بالنظر إلى الدينامكية المميزة للمنطقة والمتمثلة في ذلك التدفق الهائل بين الضفتين والتحولات الراهنة فإن وصف منطقة المتوسط بالقارنة (Interface ) أكثر دلالة من الحد أو التصدع.
ما هي أسباب التباين بين الشمال والجنوب؟
مرة أخرى نجد أنفسنا أمام الإشكالية التقليدية المتعلقة بالبحث في أسباب التخلف وعوامل التقدم، ومهما اختلفت وجهات النظر لا يمكن في حالة المتوسط إغفال العامل التاريخي فلفترة قريبة كانت دول الضفة الشمالية تستعمر دول الضفة الجنوبية وورثت بذلك تركة ثقيلة من التخلف على جميع الأصعدة فأصبحت عاجزة عن توفير الغذاء الأساسي لسكانها وهي التي كانت فيما مضى تمون أوربا ليس في العهد الروماني أو في العصور الوسطي وإنما لفترة وجيزة بعد الحرب العالمية الثانية وقبيل قيام السوق الأوربية المشتركة والتي من أكبر نجاحاتها النهوض بالزراعة الأوربية، أما ثقافيا فلا يمكن لعاقل أن ينكر دور العرب المسلمين سكان الضفة الجنوبية في نهضة أوربا وتطورها و حتى اليوم فإن دول الضفة الشمالية تستفيد من ظاهرة نزيف الأدمغة من الجنوب...
كما أن العلاقات غير المتكافئة تجاريا رجحت وباستمرار ميزان التفوق لدول الضفة الشمالية.[6]
التدفقات في المجال المتوسطي:
التدفقات البشرية: منذ القديم كان المتوسط فضاء يتميز بحركة تنقل كبيرة للسكان بين ضفتيه الشمالية والجنوبية:
-هجرة المعمرين الأوربيين في القرنين التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين نحو بلدان المغرب العربي الثلاثة (الجزائر ـ تونس ـ المغرب)
-هجرة العمالة، بعد الاستقلال، وفي الاتجاه المعاكس أي من دول المغرب العربي نحو أوربا.
-هجرة العمالة الاسبانية والبرتغالية نحو فرنسا فبل انضمامهما للاتحاد الأوربي.
-الهجرة العابرة من إفريقيا جنوب الصحراء مرورا بالمغرب العربي نحو أوربا.
-الهجرة الموسمية المتمثلة في انتقال السياح الأوربيين نحو المرافق السياحية في الضفة الجنوبية[7]
إن المناطق المعنية أكثر بظاهرة الهجرة من دول جنوب الصحراء والتي أصبحت[8] تشكل ما يعرف بملف الهجرة السرية أو الهجرة غير الشرعية أو الهجرة غير الرسمية هي: تركيا ـ مصر ـالمغرب ـ الجزائر ـ تونس، وهي هجرة تخص الفئات الشابة من الذكور غير المؤهلين مهنيا.
التدفقات المالية:
تدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة (IDE) في إطار التحويل الصناعي من الشمال نحو الجنوب، والدول الأكثر استفادة هي: تركيا ـ المغرب ـ تونس وبدرجة أقل مصر ولبنان.
التحويلات المالية من الدول البترولية في شكل ودائع في البنوك الأوربية.
تحويلات المهاجرين من العمال.
مداخيل الموارد السياحية من العملة الصعبة والتي أصبحت تلعب دورا هاما في اقتصاديات بعض البلدان مثل تونس والمغرب.
التدفقات التجارية: إن التبادل التجاري جد معتبر بين الضفتين: دول الضفة الشمالية تصدر مواد مصنعة في حين تصدر الدول الجنوبية مواد أولية خام أو نصف مصنعة، والتفوق لصالح دول الضفة الشمالية.[9]
{ نسجل هنا بعض المحاولات الهادفة إلى تحقيق التوازن التجاري في إطار مؤتمر برشلونة وال5+5 إلى جانب جولات (rounds) في إطار التفاوض من أجل الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة}
واقع حوض المتوسط في ظل العولمة:
إن ظاهرة العولمة أدت إلى نتائج متباينة على المنطقة سواء على المستوى الاقتصادي، حيث تجاوبت بعض المناطق ايجابيا مع هذه الظاهرة كإسبانيا وتركيا والبرتغال وبدرجة أقل تونس والمغرب في حين تبقى مناطق أخرى بعيدة عن الاندماج في النسق الاقتصادي العالمي مثل الجزائر وليبيا، كما تأثرت مناطق أخرى بشكل سلبي رغم وزنها الاقتصادي الكبير مثل الجنوب الفرنسي لصالح الشمال الفرنسي ونفس القول بالنسبة للجنوب الايطالي.
أما على المستوى الثقافي فالحركات الرافضة لظاهرة العولمة الثقافية أكثر انتشارا من غيرها في أي منطقة في العالم سواء على الجانب الأوربي أو الجانب الإسلامي، و يمكن تفسير ذلك بالوزن الحضاري للمتوسط، وكيف لا وهو المنطقة التي طالما وصفت بأنها المركز الصانع للحضارة في العالم (Le Centre civilisateur).
ما يجب التركيز عليه: إن حوض المتوسط يشكل بالفعل قارنة بين الشمال والجنوب تتفاعل بها كل المؤثرات بين العالمين، و هو بذلك يشكل وضعية متميزة بخصوصياتها السكانية و الإنسانية والثقافية والاقتصادية رغم التباين الموجود بين ضفتيه الشمالية والجنوبية،ورغم الأزمات التي تعرفها المنطقة يمكنها في ظل التعاون الحقيقي بين دولها من أن تعود للعب دورها كمركز صانع للحضارة الإنسانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
[1] قارنة: منطقة ربط والتقاء (سبق التعريف بهذا المصطلح)
[2] سبق وأن تعرفت على المصطلح في السنة الثانية، ثم استرجاعه في الوحدة الأولى / الوضعية الأولى:<< معايير التصنيف.....>>
[3] هنا لست بصدد مناقشة أي وضع هو أفضل للمرأة، فهذا ليس من اختصاص الجغرافيا، لكن الحقيقة الإحصائية(Statistique) تؤكد أن معدل الخصوبة يرتبط بوضع المرأة داخل المجتمع/ كما يجب الانتباه أن ارتفاع معدل الخصوبة لا يعتبر عاملا سلبيا بالضرورة لأنه مرتبط بمستوى النمو الاقتصادي أما الانخفاض الحاد في معدل الخصوبة فهو عامل سلبي دون اعتبار مستوى النمو الاقتصادي الراهن لأن الانعكاسات المستقبلية للانخفاض الشديد ستكون مدمرة.
[4] يعتبر التفوق الديمغرافي لدول الضفة الجنوبية خطرا استراتيجيا بالنسبة للسياسيين في أوربا تحت عنوان:<< الخطر القادم من الجنوب>>
[5] إن الخط الفاصل بين الشمال والجنوب والذي يفصل المنطقة والذي سبق و أن تعرفت عليه فيه كثير من التعميم والشمولية و هو بذلك غير دقيق.
[6] يجب هنا عدم إغفال العوامل الذاتية في دول الضفة الجنوبية والتي سبق وأشرنا إليها في موضوع عالم الجنوب وقضايا التنمية.
[7] تذكر ظاهرة عشق الشمس (Héliotropisme) التي تعرفت عليها في موضوع المجال الجغرافي للولايات المتحدة/ خاصة فيما يتعلق بموضوع نطاق الشمس (Belt Sun)
[8] إن المصطلح الذي نراه مناسبا أكثر هو: الهجرة غير الرسمية، أي غير المنضبطة بإجراءات إدارية. أما كونها شرعية أم غير شرعية فهذا يتجاوز مجال تخصصنا
[9] عليك بمراجعة مفهوم القيمة المضافة المرتفعة والقيمة المضافة المنخفضة في موضوع/ عالم الجنوب وقضايا التنمية.
- بهيةعضو بارز
- الجنس :
عدد الرسائل : 1138
العمر : 52
مقر الإقامة : وسط المدينة تينركوك ولاية ادرار الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
تاريخ التسجيل : 21/11/2008
التقييم : 69
نقاط : 2069
رد: حوض البحر الأبيض المتوسط
الأحد مارس 15, 2009 6:02 pm
موضوع مفيد لجميع التلاميذ و فى مختلف مراحل التعليم من المتوسط الى الثانوى والتعليم العالى
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى