- بهيةعضو بارز
- الجنس :
عدد الرسائل : 1138
العمر : 52
مقر الإقامة : وسط المدينة تينركوك ولاية ادرار الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
تاريخ التسجيل : 21/11/2008
التقييم : 69
نقاط : 2069
اسباب سقوط العالم الاسلامى
الثلاثاء فبراير 09, 2010 10:31 pm
أسباب سقوط العالم الإسلامي ؟!
السؤال المطروح سواء أكان بهذه الصيغة أم بغيرها ، هو أهمّ سؤال يجب أن يُطْرح في هذه المرحلة من حياة المسلمين . ولكن أضيف إلى هذا الموضوع والسؤال سؤالاً آخر هو : وما هو المخرج ؟!
وأول نقطة أودُّ أن أثيرها أن المسؤول الأول في ميزان الإسلام عن هذا السقوط هو المسلمون أنفسهم الذين بلغتهم رسالة الله ، ويسَّرها الله بين أيديهم منهاجاً ربانياً ـ قرآناً وسنَّة ولغة عربيَّة ـ وتعهَّد الله بحفظه ، حتى لا يكون لأحد العذر في التفلّت من هذا المنهاج الربَّاني . ولا شكَّ أنَّ أعداء الله خطّطوا لسقوط العالم الإسلامي ، وأحكموا الخطَّة ، وبذلوا جهدهم في تنفيذها ، ولكن لم يكن لهم أن ينجحوا في ذلك لولا أنَّ المسلمين أنفسهم قصَّروا في الوفاء بعهدهم مع الله ، والأمانة التي حملوها ، والخلافة التي جُعلت لهم في الأرض ، فاللوم الأول علينا نحن المسلمين ، دون أن يُنْقص من مسؤولية المجرمين في الأرض :
والنقطة الثانية تؤكد النقطة الأولى : وهي أنه لا يتمُّ شيء في هذه الحياة الدنيا إلا بقضاء الله وقدره ، وقضاء الله حقٌّ نافذ ، وقدره غالب ، وحكمته بالغة :
(وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [ غافر : 20]
والله سبحانه وتعالى قد حرَّم الظلم على نفسه ، وجعله محرّماً بين الناس ، فالله لا يظلم أحداً ولا يظلم شيئاً أبداً . إذن فالناس هم الذين يظلمون أنفسهم : إما بالتخلّي عن الأمانة والعهد والمسؤولية ، أو بارتكاب الشرِّ والفتن والجرائم والظلم في الأرض :
(إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [ يونس : 44]
فلننظر نحن المسلمين اليوم في أنفسنا ، ولينظر كل مسلم في نفسه ، لنرى كم فرَّطنا بالأمانة والعهد . ومحاسبة النفس هذه هي أول خطوة على الطريق ، وبغيرها لا تتمُّ خطوات أخرى . إنَّ ميدان المعركة الأول اليوم هو في أنفسنا ، فإن انتصرنا فيه ، سَهَّل الله علينا النصر في الميادين الأخرى :
( .... إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ) [ الرعد : 11 ]
فنحن الآن مطالبون شرعاً أن ندرس أخطاءنا وأمراضنا دراسة بعيدة عن الهوى والعصبيات الجاهلية على أساس من ميزان حق فصّله الله لنا ، وأمرنا بردِّ أمورنا كلِّها إليها، وهو منهاج الله .
ولو استعرضنا تاريخنا وواقعنا استعراضاً أميناً على أساس من الميزان الحق ، لانكشفت لنا عيوبنا كلها ، وبرزت أمراضُنا وأخطاؤنا بشكل جليّ . وأودُّ هنا أن أبدأ بعرض بعض ذلك مبتدئاً من الآخر ، وليس حسب التسلسل التاريخي ومجريات الأحداث .
إنَّ أكبر مرض وأشدّ خطأ نعاني منه اليوم هذا التفرّق والتمزّق الذي صنعناه بأهوائنا وأيدينا . وهو معصية كبيرة جداً في ميزان الله ، وعليها عقوبة كبيرة وعذاب عظيم :
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [ آل عمران : 105]
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) [ الأنعام : 159]
وهذا التفرَّق يأتي بشرّين كبيرين : أولاً غضب الله فيُنْزِل الله العذابَ العظيم ، كما نصَّت الآية الكريمة وآيات أخرى . وثانياً : إنَّ هذا التفرّق والتمزّق يفتح ثغرات يدلف منها الأعداء والمفسدون لينشروا الفتن ويزيدوا الفرقة والتمزّق ، فيزداد المسلمون هواناً وضعفاً ، ثمَّ يزداد تسلل المجرمين ويزداد الهوان وغضب الله والعذاب العظيم ، وتستمرُّ المصائب : فرقة ، ثمَّ تسلل المجرمين وإفسادهم ، ثمَّ غضب الله وعذابه ، وتتوالى هذه السلسة حتى يقضي الله بأمره !
وهنا يرد السؤال المباشر : كيف وقع هذا التمزق في العالم الإسلامي ، وقد تُرِكَ رسول الله أمته صفاً واحداً مرصوصاً ، وبيَّن لهم الدرب والصراط المستقيم؟!
إن التنازل عن قواعد الإيمان والإسلام هو سبب هذا التفرّق والتمزّق ، والتنازل يبدأ بتنازل بسيط من أمور الدين لا يرى الناس في التنازل عنه شراً كبيراً ، ولا يتذكّرون آيات الله ونُذُرَه ومواعظَه المتتالية ، ثمَّ يتبع هذا التنازل تنازل آخر ، ثمَّ آخر ، حتى ترى الحال تبدَّل كثيراً ، والانحرافَ أصبح واسعاً كبيراً ، والفتنة تتلوها فتنة ، والبلاء يتبعه البلاء . وكلُّ ذلك ابتداؤه من أنفسنا .
فعن ثوبان رضي الله عنه عن النبيّ r قال : ( إنَّ الله زوى ليَ الأرض فرأيتُ مشارقها ومغاربها ، وإنَّ أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها . وأعطيتُ الكنزين الأحمر والأبيض ، وإني سألتُ ربّي لأمتي أن لا يهلكهم بِسَنةٍ عامة ، وألا يسلّط عليهم عدوّاً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم . وإنَّ ربّي قال : يا محمد إني إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يردّ ، وإني أعطيت لأمتك ألا أهلكهم بِسَنةٍ عامة ، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم مَنْ بأقطارها أو مَنْ بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً . وإني أخاف على أمّتي الأئمة المضلّين ، وإذا وضع في أمّتي السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة ، ولا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أُمّتي بالمشركين حتى تعبد قبائل من أُمّتي الأوثان ، وإنّه سيكون في أُمّتي كذَّابون ثلاثون كلُّهم يزعم أنَّه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبيَّ بعدي ولا تزال طائفة من أُمّتي على الحقِّ ظاهرين لا يَضُرُّهم مَنْ خالفهم حتى يأتيَ أمر الله عز وجل )
[ رواه مسلم والترمذي وأبوداود ](1)
وكما ذكرنا فلا تصل الأمة إلى هذا الوضع مباشرة ، إلا بعد أن تقع المخالفات التي تستدرج الناسَ إلى مخالفات أخرى ، وهكذا حتى تحقَّ عليها كلمة الله .
لعلَّ أخطر تمزيق حقيقيّ واسع في الأمة المسلمة وقع في نهاية الدولة العثمانية ، ومع الحرب العالمية الأولى حين كان قد امتدَّ الضعف والوهن والانحراف كثيراً ، وتجمَّعت مخالفات فوق مخالفات ، ثمَّ أُزيلت الخلافة الإسلامية، فزاد التمزّق والفرقة إلى أقطار متناثرة وشعوب انتشرت فيهم الفتن . وأخذت عوامل التمزّق تزيد في الأمة وتمتدّ. فالانهيار امتدَّ على مساحة غير ضيقة من التاريخ وزمن غير قليل ، حتى وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم .
ولقد أثارت هذه الأحداث كثيراً من النفوس تحاول إصلاح الأمة باسم الإسلام ، فاتخذ شكل جماعات أو أحزاب أصبحت مع الأيام صورة من صور الفرقة والتمزق ، فذهبت جهودها دون أن تستطيع أن تحقق أخوة الإيمان التي أمر الله بها ، ولكنها حقَّقت أخوة حزبيّة، وصار الولاء للحزب والعهد الأول للحزب ، بدلاً من أن يكون الولاء الأول لله وحده، والعهد الأول لله وحده ، والحبُّ الأكبر لله ورسوله . وهاجت أشكال متعددة من العصبيات الجاهلية : عائلية وحزبية وقوميّة وإقليمية ، وتمثلت هذه العصبيات الجاهلية في الفكر والأدب ، وظهرت أحزاب جديدة أخذت تتوالد ، وحلَّ الصراع الشديد بين هذه الأحزاب ، حتى لم تَعُدْ تُجْدي مقاومتها للأعداء ، وأخذ
الأعداء يتكاثرون ويزداد نفوذهم وشرّهم وفتنهم ، وكأنهم وجدوا الديار مفتوحة لهم والقلوب مفتوحة لهم :
فعن ثوبان رضي الله عنه عن الرسول الله r style="mso-spacerun : yes"> قال : ( يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كل أفق ، كما تداعى الأكلة على قصعتها . قيل يا رسول الله ! أفمن قلّة نحن يومئذ ؟! قال : لا ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، يُجعل الوهن في قلوبكم ، ويُنزع الرعب من قلوب عدوكم ، لحبّكم الدنيا وكراهية الموت ) [رواه أحمد وأبو داود ] ، وهذا النص من صحيح الجامع الصغير مع اختلاف بسيط في النص عند أبي داود ولا يخل بالمعنى .
ويمكن أن نستعرض خطة المجرمين في غزوهم للعالم الإسلامي ، لقد مكروا مكراً " وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " ! والمسلمون لم يقابلوا ذلك بخطة واعية ونهج مدروس .
لا بدَّ أن نتذكر أنَّ هذا كله كان يمضي على سنن لله ثابتة في الحياة الدنيا ، وكانت هذه السنن ، أو معظمها ، مبيَّنة للمسلمين في الكتاب والسنّة ، بحيث كان بإمكانهم النجاة من كثير من الفتن والمكر !
وأعتقد أن الأعداء ، وهم يلتقون على خطة لهم ، كانوا يسيرون في أكثر من خط في وقت واحد . فالغزو الفكري المستمرّ دون كلل أو ملل ، والغزو بالشهوات والفتن والجنس ، والغزو بالشركات ، والأجهزة المختلفة معها ، والغزو بالحركات التنصيرية ، و بالإعلام المنهجيّ وأجهزته ورجاله ، وهذه كلها كانت تدعم الغزو العسكري العدواني ، أو تسبقه أو تأتي بعده ، وكلُّ واحد من هذه الأساليب كان عملاً مستمرَّاً ممتداً حتى يومنا هذا . وربما كان ينمو ويتطور في وسائله وأساليبه ومكره . ولا بدَّ أن نعيد ونؤكد أن العالم الإسلامي لم يقابل هذا الغزو المنهجيّ بمنهج مدروس وخطة واعية ، وإنَّما كان يجابه ذلك بالشعارات والمظاهرات والارتجال العاطفي الذي كان يستغلُّه العداء فيحوّلون كثيراً من الجهود إلى مصلحتهم .
وإن كنتُ أودُّ أن أُبْرز خطوة رئيسة في مخطط الأعداء ، فإني أبرز خطتهم لضرب اللغة العربية وصرف المسلمين عنها من خلال جهود مكثفة كثيرة لا نستطيع استعراضها هنا كلها ، ولكن كان منها محاولات تغيير الحروف العربية، وتغيير القواعد العربية ، ولقد نجحوا في ذلك نجاحاً بعيداً ، فبعض أقطار العالم الإسلامي تركت اللغة العربية واستبدلت بها لغات أجنبية كالإنجليزية والفرنسية ، وبعض الأقطار تساهلت في شأن اللغة العربية ، حتى وصلنا إلى وضع عجيب يجهل فيه ملايين المسلمين اللغة العربية جهلاً تاماً ، أو غلبت عليها اللغات العامية . إنها معركة شديدة خاضتها اللغة العربية وما زالت تخوضها . وأهمّ أثر لذلك كان في هجر كثير من المسلمين
كتاب الله وسنَّة رسوله r .
ومع جهل اللغة العربية ، وهجر الكتاب والسنَّة ، سهل تسرَّب الأفكار غير الإسلامية، حتى أصبح لها أتباع وجنود من المسلمين أنفسهم ، لم يجدوا في ما يحملون من زاد ما يردّ على هذا الغزو . وإنا لنلمس هذه الحقيقة اليوم في جميع أقطار العالم الإسلامي حيث أخذت تنتشر الاشتراكية واليسارية والديمقراطية والعلمانية والحداثة ، وحتى أصبح تلامذة هذه الأفكار يجهرون بجرأة وعلانية ، ولا يترددون أن يعلنوا أن الدين أفيون الشعب . ويدعون إلى التمسك بالعلمانية ووليدتها الديمقراطية ، وأخذوا يحتلون مراكز ومسؤولية في البناء والتوجيه .
ولو أردتُ أن أبرز أهم أخطاء المسلمين في هذا التاريخ الطويل ، فإني أوجزه بنقاط كما يلي :
1. لم يكن لدى المسلمين أيّ خطة عملية ومنهج تتفق عليه الأمة في مقاومة هذا الخطر الزاحف بنهجه وجبهاته واتحاده .
2. شُغِلَ كثير من الدعاة عن الوفاء بالواجب الأول عليهم وهو تبليغ رسالة الله إلى الناس كافَّة كما أُنزلت على رسول الله وتعهّدهم عليها ، كما أمر الله ورسوله، شُغِلوا بفتنٍ بينهم وخلافات وصراع وانشقاقات ، شغلوا بالدنيا وزخرفها ، وما ألقى إليهم الأعداء ليستدرجوهم إليه ويشغلوهم به
3. ضَعُفَ المسلمون حتى أصبح همهم وهمّ بعض الدعاة إبراز تحضُّرهم بتبنِّي شعارات الغرب ، لا عن قناعة مطلقة ، ولكن عن حاجة نفسية حتى لا يوصموا بأنهم متخلفون .
4. لقد ضَعُفَتْ عملية البناء والتربية والإعداد المنهجي الإيماني للأجيال المؤمنة ، الذي يقوم كله على الكتاب والسنَّة ، وتعريف الأجيال بالمهمة التي خلقهم الله للوفاء بها ، وبمسؤولياتهم الفردية الشرعية ، كما هي في الكتاب والسنَّة ، هذه العملية ضعفت وطغى عليها عملية جمع الأنصار والاستعداد للانتخابات والمشاركة في البرلمانات ، دون الاستطاعة على تحقيق ما يجب لعزّة الإسلام من خلال هذا الانحراف. وكأنَّ الجهود لم تعد تُبْذَل لتكون كلمة الله هي العليا
، وإنَّما كلٌّ يريد أن ينصر نفسه وجماعته وحزبه أو عائلته أو قوميته..!
5. من خلال ذلك ، ومن خلال الجهل بالإسلام ، وجهل المسلم دينه ومسؤولياته ، أقيمت في حياة بعض المسلمين أهواء ونماذج قد تنحرف بهم إلى غير الصراط المستقيم الذي أُمرنا باتباعه .
6. من خلال ذلك اشتدت الفتن وسقط فيها الكثيرون ، وتوالت الهزائم واشتدَّ الهوان .
هذه القضية هي أساس ومحور جميع ما أصدرت من كتب في الفكر والدعوة والواقع والأدب وغير ذلك من الموضوعات حتى بلغت ثمانية وتسعين كتاباً بفضل الله ، تحت عنوان : " لقاء المؤمنين وبناء الجيل المؤمن " ، أو : " مدرسة لقاء المؤمنين " ، أستعرض فيما أكتب أهم نواحي الخلل في واقعنا ، وأعرض منهجاً يحمل النظرية العامة، والمناهج التطبيقية ، والنماذج العملية ، والنظام الإداري ، والأهداف الربّانيَّة المحدَّدة ، والوسائل والأساليب ، ليكون هذا النهج وهذه المدرسة قاعدة للقاء المؤمنين لقاء القلوب ولقاء العزائم .
وهو نهج لكل مسلم ، ولكل أُسرة ، ولكل حركة إسلامية ، ولكل مستوى ، في عمل غير حزبيٍّ ، وغير سرّي ، نهج علنيّ أطلقه بقدر ما أملك من طاقة لأسمع به من أستطيع بلوغه ، ليُدْرس ولنَتَنَاصح حوله ، فمن وجد منهجاً خيراً منه فليعرضه .
يهدف هذا النهج إلى توحيد الفكر على منهج واحد ، كما كانت مدرسة محمد r ، حتى يصبح بين المسلمين لغة تفاهم ، ليفهم
بعضهم بعضاً . ومن بين هذه الكتب كتاب : " واقع المسلمين أمراض وعلاج " ، وكتاب : " حتى نغيّر ما بأنفسنا "، وكتب أخرى ، ولي كتاب آمل أن يصدر قريباً بعنوان: " ملحمة التاريخ في قيام الدول الإسلامية وسقوطها " ، أخرج فيه بسنّة جلية من سنن الله ، محورها : أنه كلما قام المسلمون يحملون رسالة الله كما أُنزلت على محمد r
ويبلّغونها إلى الناس كافّة ويتعهّدونهم عليها ، صادقين مع الله، أعزَّهم الله ونصرهم ومكّن لهم في الأرض وقامت دولتهم . وكلما تخلوا عن هذه المهمة أذلّهم الله وأسقط دولتهم . إنها صورة واضحة في تاريخنا كلَّ الوضوح: تلك الدولة الأموية ، والدولة العباسية ، ودولة المغول في الهند ، والعثمانيون ، ودولة المسلمين في الأندلس ، فترى سنة الله ماضية نافذة ! وتلك عبرة لمن يريد أن يعتبر !
وأرى أنه يجب أن تُغْرَس هذه القضية في نفوس الشباب المسلمين على قدر ما نستطيع حتى تصبح القضية قضيتهم ، وحتى ينالوا التعهّد والبناء على ذلك ، فلا يتناثروا شيعاً وأحزاباً ! وحتى يعلموا أنَّ المسؤولية هي مسؤولية كل مسلم ، وأننا كلنا محاسبون عن ذلك بين يدي الله .
وأودُّ أن أوضّح أنَّ كلَّ ما أكتبه فهو موجّه للرجل والمرأة ، والفتى والفتاة، فكلهم مسؤولون ومحاسَبون بين يدي الله . فالله الذي خلق الرجل والمرأة ، حدَّد للرجل مسؤولياته ودوره ، وحدَّد للمرأة مسؤولياتها ودورها ، بوضوح وجلاء ، ويحاسبَ الجميع على أساس ما بيّنه الله من مسؤوليات وتكاليف في منهج رباني حقّ ، وأول هذه المسؤوليات بعد صدق الإيمان والتوحيد هو دراسة منهاج الله ـ قرآناً وسنَّة ولغة عربية ـ دراسة منهجية ، صحبة وعمر وحياة ، مع التدبّر والممارسة الإيمانية في الواقع البشري ، والتدريب على ذلك في مدرسة الإسلام .
السؤال المطروح سواء أكان بهذه الصيغة أم بغيرها ، هو أهمّ سؤال يجب أن يُطْرح في هذه المرحلة من حياة المسلمين . ولكن أضيف إلى هذا الموضوع والسؤال سؤالاً آخر هو : وما هو المخرج ؟!
وأول نقطة أودُّ أن أثيرها أن المسؤول الأول في ميزان الإسلام عن هذا السقوط هو المسلمون أنفسهم الذين بلغتهم رسالة الله ، ويسَّرها الله بين أيديهم منهاجاً ربانياً ـ قرآناً وسنَّة ولغة عربيَّة ـ وتعهَّد الله بحفظه ، حتى لا يكون لأحد العذر في التفلّت من هذا المنهاج الربَّاني . ولا شكَّ أنَّ أعداء الله خطّطوا لسقوط العالم الإسلامي ، وأحكموا الخطَّة ، وبذلوا جهدهم في تنفيذها ، ولكن لم يكن لهم أن ينجحوا في ذلك لولا أنَّ المسلمين أنفسهم قصَّروا في الوفاء بعهدهم مع الله ، والأمانة التي حملوها ، والخلافة التي جُعلت لهم في الأرض ، فاللوم الأول علينا نحن المسلمين ، دون أن يُنْقص من مسؤولية المجرمين في الأرض :
والنقطة الثانية تؤكد النقطة الأولى : وهي أنه لا يتمُّ شيء في هذه الحياة الدنيا إلا بقضاء الله وقدره ، وقضاء الله حقٌّ نافذ ، وقدره غالب ، وحكمته بالغة :
(وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [ غافر : 20]
والله سبحانه وتعالى قد حرَّم الظلم على نفسه ، وجعله محرّماً بين الناس ، فالله لا يظلم أحداً ولا يظلم شيئاً أبداً . إذن فالناس هم الذين يظلمون أنفسهم : إما بالتخلّي عن الأمانة والعهد والمسؤولية ، أو بارتكاب الشرِّ والفتن والجرائم والظلم في الأرض :
(إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [ يونس : 44]
فلننظر نحن المسلمين اليوم في أنفسنا ، ولينظر كل مسلم في نفسه ، لنرى كم فرَّطنا بالأمانة والعهد . ومحاسبة النفس هذه هي أول خطوة على الطريق ، وبغيرها لا تتمُّ خطوات أخرى . إنَّ ميدان المعركة الأول اليوم هو في أنفسنا ، فإن انتصرنا فيه ، سَهَّل الله علينا النصر في الميادين الأخرى :
( .... إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ) [ الرعد : 11 ]
فنحن الآن مطالبون شرعاً أن ندرس أخطاءنا وأمراضنا دراسة بعيدة عن الهوى والعصبيات الجاهلية على أساس من ميزان حق فصّله الله لنا ، وأمرنا بردِّ أمورنا كلِّها إليها، وهو منهاج الله .
ولو استعرضنا تاريخنا وواقعنا استعراضاً أميناً على أساس من الميزان الحق ، لانكشفت لنا عيوبنا كلها ، وبرزت أمراضُنا وأخطاؤنا بشكل جليّ . وأودُّ هنا أن أبدأ بعرض بعض ذلك مبتدئاً من الآخر ، وليس حسب التسلسل التاريخي ومجريات الأحداث .
إنَّ أكبر مرض وأشدّ خطأ نعاني منه اليوم هذا التفرّق والتمزّق الذي صنعناه بأهوائنا وأيدينا . وهو معصية كبيرة جداً في ميزان الله ، وعليها عقوبة كبيرة وعذاب عظيم :
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [ آل عمران : 105]
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) [ الأنعام : 159]
وهذا التفرَّق يأتي بشرّين كبيرين : أولاً غضب الله فيُنْزِل الله العذابَ العظيم ، كما نصَّت الآية الكريمة وآيات أخرى . وثانياً : إنَّ هذا التفرّق والتمزّق يفتح ثغرات يدلف منها الأعداء والمفسدون لينشروا الفتن ويزيدوا الفرقة والتمزّق ، فيزداد المسلمون هواناً وضعفاً ، ثمَّ يزداد تسلل المجرمين ويزداد الهوان وغضب الله والعذاب العظيم ، وتستمرُّ المصائب : فرقة ، ثمَّ تسلل المجرمين وإفسادهم ، ثمَّ غضب الله وعذابه ، وتتوالى هذه السلسة حتى يقضي الله بأمره !
وهنا يرد السؤال المباشر : كيف وقع هذا التمزق في العالم الإسلامي ، وقد تُرِكَ رسول الله أمته صفاً واحداً مرصوصاً ، وبيَّن لهم الدرب والصراط المستقيم؟!
إن التنازل عن قواعد الإيمان والإسلام هو سبب هذا التفرّق والتمزّق ، والتنازل يبدأ بتنازل بسيط من أمور الدين لا يرى الناس في التنازل عنه شراً كبيراً ، ولا يتذكّرون آيات الله ونُذُرَه ومواعظَه المتتالية ، ثمَّ يتبع هذا التنازل تنازل آخر ، ثمَّ آخر ، حتى ترى الحال تبدَّل كثيراً ، والانحرافَ أصبح واسعاً كبيراً ، والفتنة تتلوها فتنة ، والبلاء يتبعه البلاء . وكلُّ ذلك ابتداؤه من أنفسنا .
فعن ثوبان رضي الله عنه عن النبيّ r قال : ( إنَّ الله زوى ليَ الأرض فرأيتُ مشارقها ومغاربها ، وإنَّ أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها . وأعطيتُ الكنزين الأحمر والأبيض ، وإني سألتُ ربّي لأمتي أن لا يهلكهم بِسَنةٍ عامة ، وألا يسلّط عليهم عدوّاً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم . وإنَّ ربّي قال : يا محمد إني إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يردّ ، وإني أعطيت لأمتك ألا أهلكهم بِسَنةٍ عامة ، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم مَنْ بأقطارها أو مَنْ بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً . وإني أخاف على أمّتي الأئمة المضلّين ، وإذا وضع في أمّتي السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة ، ولا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أُمّتي بالمشركين حتى تعبد قبائل من أُمّتي الأوثان ، وإنّه سيكون في أُمّتي كذَّابون ثلاثون كلُّهم يزعم أنَّه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبيَّ بعدي ولا تزال طائفة من أُمّتي على الحقِّ ظاهرين لا يَضُرُّهم مَنْ خالفهم حتى يأتيَ أمر الله عز وجل )
[ رواه مسلم والترمذي وأبوداود ](1)
وكما ذكرنا فلا تصل الأمة إلى هذا الوضع مباشرة ، إلا بعد أن تقع المخالفات التي تستدرج الناسَ إلى مخالفات أخرى ، وهكذا حتى تحقَّ عليها كلمة الله .
لعلَّ أخطر تمزيق حقيقيّ واسع في الأمة المسلمة وقع في نهاية الدولة العثمانية ، ومع الحرب العالمية الأولى حين كان قد امتدَّ الضعف والوهن والانحراف كثيراً ، وتجمَّعت مخالفات فوق مخالفات ، ثمَّ أُزيلت الخلافة الإسلامية، فزاد التمزّق والفرقة إلى أقطار متناثرة وشعوب انتشرت فيهم الفتن . وأخذت عوامل التمزّق تزيد في الأمة وتمتدّ. فالانهيار امتدَّ على مساحة غير ضيقة من التاريخ وزمن غير قليل ، حتى وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم .
ولقد أثارت هذه الأحداث كثيراً من النفوس تحاول إصلاح الأمة باسم الإسلام ، فاتخذ شكل جماعات أو أحزاب أصبحت مع الأيام صورة من صور الفرقة والتمزق ، فذهبت جهودها دون أن تستطيع أن تحقق أخوة الإيمان التي أمر الله بها ، ولكنها حقَّقت أخوة حزبيّة، وصار الولاء للحزب والعهد الأول للحزب ، بدلاً من أن يكون الولاء الأول لله وحده، والعهد الأول لله وحده ، والحبُّ الأكبر لله ورسوله . وهاجت أشكال متعددة من العصبيات الجاهلية : عائلية وحزبية وقوميّة وإقليمية ، وتمثلت هذه العصبيات الجاهلية في الفكر والأدب ، وظهرت أحزاب جديدة أخذت تتوالد ، وحلَّ الصراع الشديد بين هذه الأحزاب ، حتى لم تَعُدْ تُجْدي مقاومتها للأعداء ، وأخذ
الأعداء يتكاثرون ويزداد نفوذهم وشرّهم وفتنهم ، وكأنهم وجدوا الديار مفتوحة لهم والقلوب مفتوحة لهم :
فعن ثوبان رضي الله عنه عن الرسول الله r style="mso-spacerun : yes"> قال : ( يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كل أفق ، كما تداعى الأكلة على قصعتها . قيل يا رسول الله ! أفمن قلّة نحن يومئذ ؟! قال : لا ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، يُجعل الوهن في قلوبكم ، ويُنزع الرعب من قلوب عدوكم ، لحبّكم الدنيا وكراهية الموت ) [رواه أحمد وأبو داود ] ، وهذا النص من صحيح الجامع الصغير مع اختلاف بسيط في النص عند أبي داود ولا يخل بالمعنى .
ويمكن أن نستعرض خطة المجرمين في غزوهم للعالم الإسلامي ، لقد مكروا مكراً " وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " ! والمسلمون لم يقابلوا ذلك بخطة واعية ونهج مدروس .
لا بدَّ أن نتذكر أنَّ هذا كله كان يمضي على سنن لله ثابتة في الحياة الدنيا ، وكانت هذه السنن ، أو معظمها ، مبيَّنة للمسلمين في الكتاب والسنّة ، بحيث كان بإمكانهم النجاة من كثير من الفتن والمكر !
وأعتقد أن الأعداء ، وهم يلتقون على خطة لهم ، كانوا يسيرون في أكثر من خط في وقت واحد . فالغزو الفكري المستمرّ دون كلل أو ملل ، والغزو بالشهوات والفتن والجنس ، والغزو بالشركات ، والأجهزة المختلفة معها ، والغزو بالحركات التنصيرية ، و بالإعلام المنهجيّ وأجهزته ورجاله ، وهذه كلها كانت تدعم الغزو العسكري العدواني ، أو تسبقه أو تأتي بعده ، وكلُّ واحد من هذه الأساليب كان عملاً مستمرَّاً ممتداً حتى يومنا هذا . وربما كان ينمو ويتطور في وسائله وأساليبه ومكره . ولا بدَّ أن نعيد ونؤكد أن العالم الإسلامي لم يقابل هذا الغزو المنهجيّ بمنهج مدروس وخطة واعية ، وإنَّما كان يجابه ذلك بالشعارات والمظاهرات والارتجال العاطفي الذي كان يستغلُّه العداء فيحوّلون كثيراً من الجهود إلى مصلحتهم .
وإن كنتُ أودُّ أن أُبْرز خطوة رئيسة في مخطط الأعداء ، فإني أبرز خطتهم لضرب اللغة العربية وصرف المسلمين عنها من خلال جهود مكثفة كثيرة لا نستطيع استعراضها هنا كلها ، ولكن كان منها محاولات تغيير الحروف العربية، وتغيير القواعد العربية ، ولقد نجحوا في ذلك نجاحاً بعيداً ، فبعض أقطار العالم الإسلامي تركت اللغة العربية واستبدلت بها لغات أجنبية كالإنجليزية والفرنسية ، وبعض الأقطار تساهلت في شأن اللغة العربية ، حتى وصلنا إلى وضع عجيب يجهل فيه ملايين المسلمين اللغة العربية جهلاً تاماً ، أو غلبت عليها اللغات العامية . إنها معركة شديدة خاضتها اللغة العربية وما زالت تخوضها . وأهمّ أثر لذلك كان في هجر كثير من المسلمين
كتاب الله وسنَّة رسوله r .
ومع جهل اللغة العربية ، وهجر الكتاب والسنَّة ، سهل تسرَّب الأفكار غير الإسلامية، حتى أصبح لها أتباع وجنود من المسلمين أنفسهم ، لم يجدوا في ما يحملون من زاد ما يردّ على هذا الغزو . وإنا لنلمس هذه الحقيقة اليوم في جميع أقطار العالم الإسلامي حيث أخذت تنتشر الاشتراكية واليسارية والديمقراطية والعلمانية والحداثة ، وحتى أصبح تلامذة هذه الأفكار يجهرون بجرأة وعلانية ، ولا يترددون أن يعلنوا أن الدين أفيون الشعب . ويدعون إلى التمسك بالعلمانية ووليدتها الديمقراطية ، وأخذوا يحتلون مراكز ومسؤولية في البناء والتوجيه .
ولو أردتُ أن أبرز أهم أخطاء المسلمين في هذا التاريخ الطويل ، فإني أوجزه بنقاط كما يلي :
1. لم يكن لدى المسلمين أيّ خطة عملية ومنهج تتفق عليه الأمة في مقاومة هذا الخطر الزاحف بنهجه وجبهاته واتحاده .
2. شُغِلَ كثير من الدعاة عن الوفاء بالواجب الأول عليهم وهو تبليغ رسالة الله إلى الناس كافَّة كما أُنزلت على رسول الله وتعهّدهم عليها ، كما أمر الله ورسوله، شُغِلوا بفتنٍ بينهم وخلافات وصراع وانشقاقات ، شغلوا بالدنيا وزخرفها ، وما ألقى إليهم الأعداء ليستدرجوهم إليه ويشغلوهم به
3. ضَعُفَ المسلمون حتى أصبح همهم وهمّ بعض الدعاة إبراز تحضُّرهم بتبنِّي شعارات الغرب ، لا عن قناعة مطلقة ، ولكن عن حاجة نفسية حتى لا يوصموا بأنهم متخلفون .
4. لقد ضَعُفَتْ عملية البناء والتربية والإعداد المنهجي الإيماني للأجيال المؤمنة ، الذي يقوم كله على الكتاب والسنَّة ، وتعريف الأجيال بالمهمة التي خلقهم الله للوفاء بها ، وبمسؤولياتهم الفردية الشرعية ، كما هي في الكتاب والسنَّة ، هذه العملية ضعفت وطغى عليها عملية جمع الأنصار والاستعداد للانتخابات والمشاركة في البرلمانات ، دون الاستطاعة على تحقيق ما يجب لعزّة الإسلام من خلال هذا الانحراف. وكأنَّ الجهود لم تعد تُبْذَل لتكون كلمة الله هي العليا
، وإنَّما كلٌّ يريد أن ينصر نفسه وجماعته وحزبه أو عائلته أو قوميته..!
5. من خلال ذلك ، ومن خلال الجهل بالإسلام ، وجهل المسلم دينه ومسؤولياته ، أقيمت في حياة بعض المسلمين أهواء ونماذج قد تنحرف بهم إلى غير الصراط المستقيم الذي أُمرنا باتباعه .
6. من خلال ذلك اشتدت الفتن وسقط فيها الكثيرون ، وتوالت الهزائم واشتدَّ الهوان .
هذه القضية هي أساس ومحور جميع ما أصدرت من كتب في الفكر والدعوة والواقع والأدب وغير ذلك من الموضوعات حتى بلغت ثمانية وتسعين كتاباً بفضل الله ، تحت عنوان : " لقاء المؤمنين وبناء الجيل المؤمن " ، أو : " مدرسة لقاء المؤمنين " ، أستعرض فيما أكتب أهم نواحي الخلل في واقعنا ، وأعرض منهجاً يحمل النظرية العامة، والمناهج التطبيقية ، والنماذج العملية ، والنظام الإداري ، والأهداف الربّانيَّة المحدَّدة ، والوسائل والأساليب ، ليكون هذا النهج وهذه المدرسة قاعدة للقاء المؤمنين لقاء القلوب ولقاء العزائم .
وهو نهج لكل مسلم ، ولكل أُسرة ، ولكل حركة إسلامية ، ولكل مستوى ، في عمل غير حزبيٍّ ، وغير سرّي ، نهج علنيّ أطلقه بقدر ما أملك من طاقة لأسمع به من أستطيع بلوغه ، ليُدْرس ولنَتَنَاصح حوله ، فمن وجد منهجاً خيراً منه فليعرضه .
يهدف هذا النهج إلى توحيد الفكر على منهج واحد ، كما كانت مدرسة محمد r ، حتى يصبح بين المسلمين لغة تفاهم ، ليفهم
بعضهم بعضاً . ومن بين هذه الكتب كتاب : " واقع المسلمين أمراض وعلاج " ، وكتاب : " حتى نغيّر ما بأنفسنا "، وكتب أخرى ، ولي كتاب آمل أن يصدر قريباً بعنوان: " ملحمة التاريخ في قيام الدول الإسلامية وسقوطها " ، أخرج فيه بسنّة جلية من سنن الله ، محورها : أنه كلما قام المسلمون يحملون رسالة الله كما أُنزلت على محمد r
ويبلّغونها إلى الناس كافّة ويتعهّدونهم عليها ، صادقين مع الله، أعزَّهم الله ونصرهم ومكّن لهم في الأرض وقامت دولتهم . وكلما تخلوا عن هذه المهمة أذلّهم الله وأسقط دولتهم . إنها صورة واضحة في تاريخنا كلَّ الوضوح: تلك الدولة الأموية ، والدولة العباسية ، ودولة المغول في الهند ، والعثمانيون ، ودولة المسلمين في الأندلس ، فترى سنة الله ماضية نافذة ! وتلك عبرة لمن يريد أن يعتبر !
وأرى أنه يجب أن تُغْرَس هذه القضية في نفوس الشباب المسلمين على قدر ما نستطيع حتى تصبح القضية قضيتهم ، وحتى ينالوا التعهّد والبناء على ذلك ، فلا يتناثروا شيعاً وأحزاباً ! وحتى يعلموا أنَّ المسؤولية هي مسؤولية كل مسلم ، وأننا كلنا محاسبون عن ذلك بين يدي الله .
وأودُّ أن أوضّح أنَّ كلَّ ما أكتبه فهو موجّه للرجل والمرأة ، والفتى والفتاة، فكلهم مسؤولون ومحاسَبون بين يدي الله . فالله الذي خلق الرجل والمرأة ، حدَّد للرجل مسؤولياته ودوره ، وحدَّد للمرأة مسؤولياتها ودورها ، بوضوح وجلاء ، ويحاسبَ الجميع على أساس ما بيّنه الله من مسؤوليات وتكاليف في منهج رباني حقّ ، وأول هذه المسؤوليات بعد صدق الإيمان والتوحيد هو دراسة منهاج الله ـ قرآناً وسنَّة ولغة عربية ـ دراسة منهجية ، صحبة وعمر وحياة ، مع التدبّر والممارسة الإيمانية في الواقع البشري ، والتدريب على ذلك في مدرسة الإسلام .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى