علم ... التاريخ
الثلاثاء نوفمبر 10, 2009 11:36 pm
علم التاريخ أحد العلوم الاجتماعية التي تعنى بدراسة الماضي البشري، ويقوم المؤرخون بدراسة الوثائق عن الحوادث الماضية، وإعداد وثائق جديدة تستند إلى أبحاثهم. وتسمى هذه الوثائق أيضًا، تاريخًا.
ترك القدماء العديد من الآثار، بما في ذلك التقاليد، والقصص الشعبية، والأعمال الفنية، والمخلفات الأثرية، والكتب والمدونات الأخرى. يستخدم المؤرخون كل تلك المصادر، ولكنهم يدرسون الماضي بشكل رئيسي، في ضوء ما هو مدوّن في الوثائق المكتوبة، لذا فإن التاريخ أصبح مقصورًا بصفة عامة على الحوادث الإنسانية، منذ تطور الكتابة قبل نحو خمسة آلاف سنة مضت.
يدرس المؤرخون كافة مظاهر الحياة الإنسانية الماضية، والأحوال الاجتماعية والثقافية، تمامًا مثل الحوادث السياسية والاقتصادية. ويدرس بعض المؤرخين الماضي وصولاً لفهم آلية تفكير وعمل الناس على نحو أفضل، في الأزمنة المختلفة، بينما يبحث الآخرون عن العبَر المستفادة من تلك الأعمال والأفكار، لتكون موجهًا للقرارات والسياسات المعاصرة. على أية حال، يختلف المؤرخون في الرأي حول عبَر التاريخ. وهكذا، فإن هناك العديد من التفسيرات المختلفة للماضي.
أصبح التاريخ ميدانًا للدراسة في العديد من المدارس خلال القرن التاسع عشر، فاليوم، ومن خلال دراسة تاريخ العالم في المدارس، تتم دراسة الماضي عن طريق الكتب بوصفها مصدرًا رئيسًا، ومن خلال نشاطات مماثلة أيضًا، كالرحلات الميدانية للمواقع الأثرية وزيارات المتاحف. ويحرص عدد كبير من الشعوب على تدريس تراثها القومي في المدارس لإنماء شعورها الوطني. وهكذا، يستخدم التاريخ، لا من أجل إخبار التلاميذ عن الكيفية التي تطوَّرت بها الحياة القومية، وإنما من أجل تبرير المُثُل والمفاهيم القومية ودعمها.
ما يدرسه المؤرخون
مضمون التاريخ
كان المؤرخون حتى القرن العشرين يعنون في المقام الأول بالأحداث السياسية، وكانت كتاباتهم مقصورة على الدبلوماسية والحروب، وشؤون الدولة. أما الآن، فإن المؤرخين يدرسون العديد من المواضيع الأخرى، فينظر بعضهم في الأحوال الاقتصادية والاجتماعية ويتقصّى آخرون تطور الحضارات والفنون، أو العناصر الأخرى للحضارة.
يُصنَّف التاريخ غالبًا، بوصفه واحدًا من العلوم الاجتماعية، جنبًا إلى جنب مع عدد من ميادين البحث كالاقتصاد، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، ولكن المؤرخين يختلفون عن غيرهم من علماء الدراسات الاجتماعية في الطريقة التي تتم بها دراسة التطورات الاجتماعية. فبينما يبحث علماء الاجتماع عن قوانين تُفسر بعضًا من أنماط السلوك المتكررة في وقت ما، فإن المؤرخين يدرسون الأحوال والحوادث في ذلك الزمن، وقد يلجأ المؤرخون لبعض نظريات العلوم الاجتماعية، والعلوم الأخرى لتساعدهم في شرح تلك الأحوال والحوادث، ولكنهم من النادر، أن يحاولوا تطوير قوانين عامة.
أقسام التاريخ
ميدان التاريخ واسع وكبير، ولهذا قام المؤرخون بتقسيمه إلى أقسام رئيسية معتمدة على الزمان والناس والموضوع.
تُمّثِل الحقَب الزمنية التقسيمات الرئيسية في دراسة التاريخ، إذ يقسم المؤرخون التاريخ الغربي إلى ثلاثة أزمنة هي:
1ـ العصور القديمة من 3000 ق.م- 400م.
2ـ العصور الوسطى من 400 - 1500م.
3ـ العصور الحديثة من 1500م حتى الوقت الحاضر.
يمكن للعلماء بالمقابل، تقسيم تلك الحقب (الأزمنة) إلى فترات أكثر قصرًا، على سبيل المثال يمكن للمؤرخين أن يدرسوا قرنًا خاصًا، أو حقبة محدودة مثل العصور العليا (القرن الثالث عشر الميلادي) أو عصر العقل.
ساعد تقسيم التاريخ إلى حقب المؤرخين على تنظيم وتركيز دراساتهم. غير أنَّ هذا التقسيم قد يؤدي إلى تشويه الشواهد المقدمة من قبل التاريخ. فقد ظنّ المؤرخون زمانًا أنَّ العصور الوسطى في أوروبا حقبة للمعتقدات الخرافية والفوضى، جاءت بين حقبتين من التاريخ، وقد حالت وجهة النظر هذه دون إدراك أن العصور الوسطى كان لها حيويتها الخاصة التي تشكل الأسس للحضارة الأوروبية الحديثة.
يستخدم تقسيم التاريخ إلى عصور قديمة، ووسطى، وحديثة، للمجتمعات الأوروبية فقط، بينما تعتمد أعمال المؤرخين الذين يدرسون المجتمعات الآسيوية أو الإفريقية، على تقسيمات مختلفة كليًا. وكذلك تتباين طرق التأريخ لأن المجتمع الغربي يستخدم ميلاد السيد المسيح فاصلاً زمنيًا، تسمى السنوات الواقعة قبله قبل الميلاد، والتي بعده تسمى ميلادية. ويؤرخ المسلمون بهجرة النبي محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة المنورة (622م) معتمدين على الأشهر القمرية ومتخذين من شهر محرم أول شهور سنتهم.
أما التقسيم على أساس الشعوب، فيتضمن على سبيل المثال، دراسة تاريخ العرب، والأوروبيين، والبريطانيين، والفرنسيين، والأمريكيين، والصينيين.
يُمكِّن التقسيم حسب الموضوعات، المؤرخين من التعامل مع مظاهر خاصة من النشاط البشري في العصور الماضية، فقد يدرس العديد من المؤرخين الاقتصاد والاجتماع والتاريخ الفكري، بالإضافة لدراسة التاريخ السياسي التقليدي. ويركِّز بعض المؤرخين على مواضيع متخصصة مثل تاريخ العلم، أو تاريخ مجموعة عرقية، أو تاريخ مدينة، وهذا الجانب برز بشكل ملفت للنظر في التأريخ الإسلامي حيث انصرف العديد من المؤرخين العرب الإسلاميين لوضع تواريخ خاصة بالعديد من المدن مثل: تاريخ مكة المكرمة، دمشق، بغداد، القاهرة... إلخ.
كيف يعمل المؤرخون
تحتاج دراسة التاريخ إلى العديد من العمليات والتقنيات، ويتبع معظم المؤرخين بعض الخطوات الرئيسية في أعمالهم:
أولاً:
يتم اختيار قضية أو شخص ينتمي لفترة معينة من الماضي للدراسة.
ثانيًا:
قراءة العديد من المصادر المادية، أي كل شيء دُوِّن عن أو حول الموضوع، وهو ما يعرف بعملية جمع المعلومات من المصادر المختلفة. وتفسر بعد ذلك المعلومات التي تم جمعها من تلك المصادر. أخيرًا، تدوين حكاية تاريخية أو ترجمة شخصية.
انتقاء وتقويم المصادر
يستخدم المؤرخون في أبحاثهم نوعين رئيسيين من المصادر، مصادر أولية، ومصادر ثانوية. تتكون المصادر الأولية من الوثائق والسجلات الأخرى، عن الفترة الجارية دراستها، بما في ذلك، الكتب، واليوميات و الرسائل والسجلات الحكومية، وتم استخدام الأفلام، وأشرطة التسجيل مصادر أولية للحوادث في بداية القرن العشرين. وتتكون المصادر الثانوية من المواد التي يتم إعدادها فيما بعد، من قبل دارسي المصادر الأولية.
ويختار المؤرخون الوثائق التي تُظهر بدقة الحقائق التي يرغبون في معرفتها، لهذا فهم يفضِّلون المصادر الأولية على الثانوية، والتقارير السرية على العلنية. ويبستخدم المؤرخون الذين يدرسون وقائع حديثة، نموذجًا خاصًا من المصادر. إذ يعتمدون على مقابلة المشاركين في صنع الحوادث، وتدوين شهاداتهم الشفوية، وبذلك يكمِّل التاريخ الشفوي، التاريخ الوثائقي.
وتُعتبر ندرة المصادر، إحدى المعضلات الكبيرة للمؤرخين الذين تشبه أعمالهم في بعض الأحيان، الاكتشافات، فهناك العديد من الأعمال والأفكار لأفراد عاديين، لم تُسجل ولم تُدون البتة، كما أن كثيرًا مما قد دُوِّن، فُقد أو أُتْلفَ بمرور الزمن، وكذلك على المؤرخين الاعتماد على كتابات قلة من المؤلفين، أصبح بعضها قطعًا متفرقة هنا وهناك.
يُحلل المؤرخون الوثائق، التي عليهم العمل بها، لتحديد ما يمكن الاعتماد عليه منها. وتتم مقارنة الوثائق بمصادر أخرى منعًا لوقوع أي خطأ في تسلسل الأحداث أو اختلاف في أسلوب الكتابة، وعليهم أيضًا التأكد من أمانة كاتب الوثيقة للتعامل معه.
تفسير الحوادث التاريخية
تعتبر الحقائق التاريخية الرئيسية، معطيات عامة، تُعتمد من قِبَل جميع المؤرخين، لكونها غير مشكوك فيها. ومع ذلك، يختلف المؤرخون في الغالب، حول معاني ودلالات تلك الحقائق. ويحاولون أن يكونوا محايدين قدر الإمكان، لكن قد تؤثر معتقداتهم والأحكام المسبقة في تفسيراتهم. فعلى سبيل المثال، قد تحمل الأفكار الاجتماعية والاقتصادية والدينية مؤرخًِا ما على تقبّل ما يعتقده الأشخاص الآخرون على أنه أمر عادي أو مسلّم به. يحدد هذا الحكم بالمقابل ما يقبله المؤرخون شهادة موثوقًا بها، أو دليلاً لتفسير الحوادث. وتبين مثل هذه التفسيرات، الأسباب الداعية لعدم قبول أو موافقة المؤرخين على الحوادث، مع استخدامهم لنفس المعطيات.
ويعتمد بعض المؤرخين، في تفسيراتهم، ولحد كبير، على المعلومات من بعض العلوم الاجتماعية، وتُدعى الدراسات التاريخية المعتمدة على نظريات علم النفس، التاريخ النفسي. وبشكل مماثل، يستخدم بعض المؤرخين الطرق الإحصائية لتفسير المعطيات من تلك المصادر، كالإحصاءات القديمة ودفاتر الحساب، ويُدعى هذا سليومتريك.
في نهاية المطاف يُعد المؤرخون بيانات مدونة عن الحوادث. وكتابة التاريخ جزء من ميدان يُدعى التأريخ. ويستخدم بعض أفضل المؤرخين، البراعة الفنية للروائيين والكتاب المسرحيين للتعبير قدر الإمكان.
النظريات التاريخية
طور العلماء، منذ أقدم الأزمنة، النظريات التاريخية لشرح السياق العام للحوادث البشرية من خلال بعض العموميات الرئيسية، فعلى سبيل المثال، يعتبر اليونانيون القدامى التاريخ دورة من الحوادث تعيد نفسها دون نهاية، بينما تعتبره النظرية النَّصرانيَّة التقليدية سلسلة من الحوادث لها بداية ونهاية، ووفقًا لهذا الاعتقاد يوجه الله الحوادث الإنسانية نحو الهدف النهائي للبشرية. وسيطرت هذه النظرية على مجمل المدونات التاريخية في العصور الوسطى.
وينبثق تناول أحداث التاريخ عند المسلمين من تصور الإسلام للكون والحياة والإنسان؛ لذا فإن حركة التاريخ في الإسلام ذات طابع مميز عن حركة التاريخ العالمي الذي لا أثر فيه للوحي. انظر: التاريخ الإسلامي، منهج كتابة. وكان حياد المؤرخين العرب وعدم تحيزهم سمتين من السمات الكثيرة التي أضفت على نظرة العرب للتاريخ مصداقية كبيرة. وكانوا هم أول من ابتكر ـ لضمان الصواب في تسجيل الأحداث ـ تسجيل الأحداث بالسنة والشهر واليوم أحيانًا وهو ما لم يحدث في أوروبا إلا في نهاية القرن السادس عشر الميلادي.
وافترض الباحثون في الأزمنة الحديثة، عددًا من النظريات، كما طَوّر الفلاسفة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين مفهوم التاريخ، باعتبارها عمليات حتمية للتطور، واعتقدوا أن حوادث هذا التطور سوف تؤدي إلى نظام اجتماعي منطقي شامل، يعتمد على الفهم العلمي للحوادث البشرية.
حاول المؤرخ الألماني أوزوالد سبنجلر في كتابه انحدار الغرب (1918-1922م) أن يُبرهن على أن الحضارات مثل الكائنات العضوية، تمر خلال دورة من الولادة، والتطور والوفاة. أما أرنولد توينبي، المؤرخ البريطاني، فقد قدم نظرية دورة الحضارات في كتابه المكوّن من اثني عشر مجلدًا: دراسة التاريخ (1934- 1961م). ولم يوافق توينبي على آراء سبنجلر في أن الحضارة الغربية في طريقها إلى الموت.
تفترض جميع النظريات التاريخية، تقريبًا، أن لها معاني وأهدافًا لكن ليس هناك أي دلائل قوية لدعم هذا التصور. يسأل العديد من العلماء اليوم، عمَّا إذا كان التاريخ يتضمن أي معنى أكثر مما يقرأه الناس في مدوناته.
ولذلك ابتعد معظم الفلاسفة عن مثل هذه النظريات وبدلاً من ذلك، قاموا بفحص عدد من المواضيع مثل طبيعة التاريخ بصفته ميدانًا للمعرفة والطريقة المستخدمة من المؤرخين للتفسير.
تطور الكتابة التاريخية
العصور القديمة. جاء أقدم تاريخ مُدّون في العالم من الصين، وقد اكتشف علماء الآثار وثائق عن التاريخ الصيني المكتوب قبل 1000ق.م. كان سيماكيان (سوماتشاين) أول مؤرخ صيني كبير، دَوّن معظم أحداث التاريخ الصيني المبكر حوالي عام 100ق.م.
بدأت كتابة التاريخ الغربي في اليونان القديمة. وكان أول المؤرخين الإغريق هو هيرودوت، الذي عاش في القرن الخامس ق.م، وكتب الكثير عن الحروب التي دارت بين الإغريق والفرس. وكان لدى هيرودوت والذي يُدعى أبا التاريخ القليل من الوثائق الإغريقية ولا يعرف قراءة اللغة الفارسية، لهذا اعتمد بشكل رئيسي في سرده على الشهادات الشفوية والتقليدية، وأضاف إليها تفاصيل خيالية لتصبح أكثر حيوية، غير أن المؤرخين الغربيين يؤكدون دقة كتاباته من الناحية الأساسية.
كان أكثر خلفاء هيرودوت شهرة في ميدان التأريخ ثيوسيديديس الذي اعتمد الدقة والنقد في كتاباته. ويعتبر كتابه تاريخ الحرب البلوبونيزية زاخرًا بمعلومات دقيقة وموثوقة عن تلك الحرب، التي امتدت سبعة وعشرين عامًا، وحققت فيها أسبرطة النصر على أثينا عام 404ق.م.
اشتهر أيضًا العديد من المؤرخين الرومان مثل، ليفي ¸تيتوس ليفيوس· الذي كتب كتابًا مطولاً تضمن قصصًا مفصلة بعنوان تاريخ روما قدم فيه قصة روما، منذ إنشائها وحتى العام التاسع ق.م. واشتهر كورنليوس تاكيتوس خصوصًا بكتابيه تواريخ وتحويلات، وتتناول تلك الأعمال، التاريخ الروماني منذ وفاة الإمبراطور أوغسطوس في العام 14م، وحتى نهاية حكم فيتليوس عام 69م.
التاريخ عند العرب
راعى المؤرخون العرب صدق الرواية في تأريخهم لأنفسهم ولغيرهم من الأمم الأخرى. وكانت أغلب مؤلفاتهم تدور حول تاريخ البلدان التي فتحوها، وتاريخ الإسلام وتاريخ أهم الأقطار والمدن كمصر والأندلس والمغرب ومكة والمدينة ودمشق وبغداد. ومن أبرز المؤرخين العرب والمسلمين المسعودي وأهم مؤلف له في التاريخ مروج الذهب، ومحمد بن جرير الطبري وأشهر كتبه تاريخ الرسل والملوك، ومن أشهر المؤرخين في العالم عبدالرحمن بن خلدون ويُعد كتابه المقدمة من أروع وأوسع كتب التاريخ، وقد استقاه من ملاحظاته فيما يقع من أحداث، ويرى أن هناك اطرادًا في السلوك الإنساني شبيه بما يحدث في الطبيعة. كما أدى انتشار العربية بين غير العرب من نصارى ويهود إلى أن ألف بعضهم كتبًا في التأريخ النصراني واليهودي باللغة العربية، ومن بين هؤلاء البطريرك يوتيخيوس والأسقف ساويروس الملقب بأبي البشر بن المقفع وقد ألفا في تاريخ الكنائس الشرقية. ومن أفضل كتب التاريخ التي ألفت في القرن الثالث عشر الهجري، التاسع عشر الميلادي كتاب عبدالرحمن الجبرتي عجائب الآثار في التراجم والأخبار ويعد الجبرتي من بين أشهر مؤرخي العالم العشرة.
ومعظم ما كتب عن تاريخ العرب والمسلمين ـ خلال نهاية القرن التاسع عشر وإلى ما بعد النصف الثاني من القرن العشرين ـ كان قد كتبه المستشرقون والمستعمرون، وقد وضعوا الأسس الحديثة لكتابة هذا التاريخ، وكانوا ملتزمين فيه بما يعود عليهم بالنفع وهو ما لا يشترط، في الغالب، أن يعود بمثله على العرب والمسلمين. إلا أنه ظهرت مؤلفات في منتصف القرن العشرين الميلادي ونهايته صارت تتناول التاريخ العربي من منظور أوسع، من ذلك كتاب محمد كرد علي الإسلام والحضارة العربية، وعبدالمنعم ماجد في كتابه التاريخ السياسي للدول العربية، وأحمد شلبي في موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية.
العصور الوسطى
شارك الكتاب النَّصارى بما فيهم عدد من الرهبان في غالبية المدونات التاريخية عن تلك الفترة، وقد حاول بعض المؤرخين النصارى كتابة تاريخ عالمي يمزج كلاّ من التاريخ اليهودي والنَّصرانيّ، مع سجلات الماضي الإغريقي والروماني. قدم الراهب أوزبيوس من قيسارية في فلسطين في أوائل القرن الرابع الميلادي، التاريخ العالمي الأكثر أهمية في نموذجه. وكذلك تاريخ النَّصرانيَّة المعروف باسم التاريخ الكنسي، وأوضح فيه أن الله يسيطر على الحوادث البشرية. وطَوّرَ القديس أوغسطين هذه الفكرة خلال القرن الخامس الميلادي، إلى فلسفة للتاريخ ضمن كتابه مدينة الله.
كان من المؤرخين الغربيين في أوائل العصور الوسطى الأوروبية الراهب الإنجليزي بيدي، وكان مؤلفه الرئيسي التاريخ الكنسي للشعب الإنجليزي (731م)، الذي ما يزال مصدرًا رئيسيًا للتاريخ الإنجليزي عن تلك الفترة. حاول العديد من مؤرخي العصور الوسطى، وفيهم بيدي، إظهار الدور الإلهي في الحوادث التاريخية. وتبدو أعمالهم مقبولة اليوم، باعتبارها وثائق رئيسية لتلك الحوادث التي تناولتها مؤلفاتهم.
وكتب المؤرخ العربي الكبير ابن خلدون، في القرن الرابع عشر الميلادي، دراسته التاريخية ذات المجلدات السبعة. وكذلك تتابعت عملية التأليف التاريخي في القرن الخامس عشر الميلادي، وركّز المؤرخون الأوروبيون على الدور البشري في الحوادث والإقلال من الدور الإلهي.
ليوبولد فون رانكه الألماني الجنسية وضع كثيرًا من طرق البحث التاريخي الأساسية.
العصور الحديثة في أوروبا. كان العالم البريطاني إدوارد جبون واحدًا من المؤرخين في أوائل العصور الحديثة، وقد أظهرت دراسته تاريخ انحطاط الإمبراطورية الرومانية وسقوطها (1776- 1788م) أنه عالم دقيق ومتقن. وعكس كتابه أيضًا نزعته ضد النَّصرانيَّة، لأنه يعتبرها مسؤولة ولو بقدر ضئيل عن سقوط الإمبراطورية الرومانية.
تطورت طرق الدراسة التاريخية الحديثة في القرن التاسع عشر الميلادي، وأصبح التاريخ ميدانًا أكاديميًا مميزًا. ولعب المؤرخ الألماني ليوبولد فون رانكه دورًا في تطوير دراسة التاريخ في القرن التاسع عشر. عُرف رانكه في الغرب بأبي التاريخ الحديث. فقد قسّم الطرق الرئيسية المتبعة من قبل المؤرخين المحدثين لتحليل وتقييم الوثائق، وقدّم أيضًا طريقة الحلقات الدراسية لتدريب مؤرخي المستقبل على طرق البحث، ودرس التاريخ السياسي بشكل رئيسي.
بدأ المؤرخون الأوروبيون والأمريكيون في القرن العشرين بالتركيز على أهمية القوى الاجتماعية والاقتصادية في التاريخ. ويدرس المؤرخون اليوم، تلك القوى وكافة المواضيع الأخرى عن الماضي البشري.
ترك القدماء العديد من الآثار، بما في ذلك التقاليد، والقصص الشعبية، والأعمال الفنية، والمخلفات الأثرية، والكتب والمدونات الأخرى. يستخدم المؤرخون كل تلك المصادر، ولكنهم يدرسون الماضي بشكل رئيسي، في ضوء ما هو مدوّن في الوثائق المكتوبة، لذا فإن التاريخ أصبح مقصورًا بصفة عامة على الحوادث الإنسانية، منذ تطور الكتابة قبل نحو خمسة آلاف سنة مضت.
يدرس المؤرخون كافة مظاهر الحياة الإنسانية الماضية، والأحوال الاجتماعية والثقافية، تمامًا مثل الحوادث السياسية والاقتصادية. ويدرس بعض المؤرخين الماضي وصولاً لفهم آلية تفكير وعمل الناس على نحو أفضل، في الأزمنة المختلفة، بينما يبحث الآخرون عن العبَر المستفادة من تلك الأعمال والأفكار، لتكون موجهًا للقرارات والسياسات المعاصرة. على أية حال، يختلف المؤرخون في الرأي حول عبَر التاريخ. وهكذا، فإن هناك العديد من التفسيرات المختلفة للماضي.
أصبح التاريخ ميدانًا للدراسة في العديد من المدارس خلال القرن التاسع عشر، فاليوم، ومن خلال دراسة تاريخ العالم في المدارس، تتم دراسة الماضي عن طريق الكتب بوصفها مصدرًا رئيسًا، ومن خلال نشاطات مماثلة أيضًا، كالرحلات الميدانية للمواقع الأثرية وزيارات المتاحف. ويحرص عدد كبير من الشعوب على تدريس تراثها القومي في المدارس لإنماء شعورها الوطني. وهكذا، يستخدم التاريخ، لا من أجل إخبار التلاميذ عن الكيفية التي تطوَّرت بها الحياة القومية، وإنما من أجل تبرير المُثُل والمفاهيم القومية ودعمها.
ما يدرسه المؤرخون
مضمون التاريخ
كان المؤرخون حتى القرن العشرين يعنون في المقام الأول بالأحداث السياسية، وكانت كتاباتهم مقصورة على الدبلوماسية والحروب، وشؤون الدولة. أما الآن، فإن المؤرخين يدرسون العديد من المواضيع الأخرى، فينظر بعضهم في الأحوال الاقتصادية والاجتماعية ويتقصّى آخرون تطور الحضارات والفنون، أو العناصر الأخرى للحضارة.
يُصنَّف التاريخ غالبًا، بوصفه واحدًا من العلوم الاجتماعية، جنبًا إلى جنب مع عدد من ميادين البحث كالاقتصاد، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، ولكن المؤرخين يختلفون عن غيرهم من علماء الدراسات الاجتماعية في الطريقة التي تتم بها دراسة التطورات الاجتماعية. فبينما يبحث علماء الاجتماع عن قوانين تُفسر بعضًا من أنماط السلوك المتكررة في وقت ما، فإن المؤرخين يدرسون الأحوال والحوادث في ذلك الزمن، وقد يلجأ المؤرخون لبعض نظريات العلوم الاجتماعية، والعلوم الأخرى لتساعدهم في شرح تلك الأحوال والحوادث، ولكنهم من النادر، أن يحاولوا تطوير قوانين عامة.
أقسام التاريخ
ميدان التاريخ واسع وكبير، ولهذا قام المؤرخون بتقسيمه إلى أقسام رئيسية معتمدة على الزمان والناس والموضوع.
تُمّثِل الحقَب الزمنية التقسيمات الرئيسية في دراسة التاريخ، إذ يقسم المؤرخون التاريخ الغربي إلى ثلاثة أزمنة هي:
1ـ العصور القديمة من 3000 ق.م- 400م.
2ـ العصور الوسطى من 400 - 1500م.
3ـ العصور الحديثة من 1500م حتى الوقت الحاضر.
يمكن للعلماء بالمقابل، تقسيم تلك الحقب (الأزمنة) إلى فترات أكثر قصرًا، على سبيل المثال يمكن للمؤرخين أن يدرسوا قرنًا خاصًا، أو حقبة محدودة مثل العصور العليا (القرن الثالث عشر الميلادي) أو عصر العقل.
ساعد تقسيم التاريخ إلى حقب المؤرخين على تنظيم وتركيز دراساتهم. غير أنَّ هذا التقسيم قد يؤدي إلى تشويه الشواهد المقدمة من قبل التاريخ. فقد ظنّ المؤرخون زمانًا أنَّ العصور الوسطى في أوروبا حقبة للمعتقدات الخرافية والفوضى، جاءت بين حقبتين من التاريخ، وقد حالت وجهة النظر هذه دون إدراك أن العصور الوسطى كان لها حيويتها الخاصة التي تشكل الأسس للحضارة الأوروبية الحديثة.
يستخدم تقسيم التاريخ إلى عصور قديمة، ووسطى، وحديثة، للمجتمعات الأوروبية فقط، بينما تعتمد أعمال المؤرخين الذين يدرسون المجتمعات الآسيوية أو الإفريقية، على تقسيمات مختلفة كليًا. وكذلك تتباين طرق التأريخ لأن المجتمع الغربي يستخدم ميلاد السيد المسيح فاصلاً زمنيًا، تسمى السنوات الواقعة قبله قبل الميلاد، والتي بعده تسمى ميلادية. ويؤرخ المسلمون بهجرة النبي محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة المنورة (622م) معتمدين على الأشهر القمرية ومتخذين من شهر محرم أول شهور سنتهم.
أما التقسيم على أساس الشعوب، فيتضمن على سبيل المثال، دراسة تاريخ العرب، والأوروبيين، والبريطانيين، والفرنسيين، والأمريكيين، والصينيين.
يُمكِّن التقسيم حسب الموضوعات، المؤرخين من التعامل مع مظاهر خاصة من النشاط البشري في العصور الماضية، فقد يدرس العديد من المؤرخين الاقتصاد والاجتماع والتاريخ الفكري، بالإضافة لدراسة التاريخ السياسي التقليدي. ويركِّز بعض المؤرخين على مواضيع متخصصة مثل تاريخ العلم، أو تاريخ مجموعة عرقية، أو تاريخ مدينة، وهذا الجانب برز بشكل ملفت للنظر في التأريخ الإسلامي حيث انصرف العديد من المؤرخين العرب الإسلاميين لوضع تواريخ خاصة بالعديد من المدن مثل: تاريخ مكة المكرمة، دمشق، بغداد، القاهرة... إلخ.
كيف يعمل المؤرخون
تحتاج دراسة التاريخ إلى العديد من العمليات والتقنيات، ويتبع معظم المؤرخين بعض الخطوات الرئيسية في أعمالهم:
أولاً:
يتم اختيار قضية أو شخص ينتمي لفترة معينة من الماضي للدراسة.
ثانيًا:
قراءة العديد من المصادر المادية، أي كل شيء دُوِّن عن أو حول الموضوع، وهو ما يعرف بعملية جمع المعلومات من المصادر المختلفة. وتفسر بعد ذلك المعلومات التي تم جمعها من تلك المصادر. أخيرًا، تدوين حكاية تاريخية أو ترجمة شخصية.
انتقاء وتقويم المصادر
يستخدم المؤرخون في أبحاثهم نوعين رئيسيين من المصادر، مصادر أولية، ومصادر ثانوية. تتكون المصادر الأولية من الوثائق والسجلات الأخرى، عن الفترة الجارية دراستها، بما في ذلك، الكتب، واليوميات و الرسائل والسجلات الحكومية، وتم استخدام الأفلام، وأشرطة التسجيل مصادر أولية للحوادث في بداية القرن العشرين. وتتكون المصادر الثانوية من المواد التي يتم إعدادها فيما بعد، من قبل دارسي المصادر الأولية.
ويختار المؤرخون الوثائق التي تُظهر بدقة الحقائق التي يرغبون في معرفتها، لهذا فهم يفضِّلون المصادر الأولية على الثانوية، والتقارير السرية على العلنية. ويبستخدم المؤرخون الذين يدرسون وقائع حديثة، نموذجًا خاصًا من المصادر. إذ يعتمدون على مقابلة المشاركين في صنع الحوادث، وتدوين شهاداتهم الشفوية، وبذلك يكمِّل التاريخ الشفوي، التاريخ الوثائقي.
وتُعتبر ندرة المصادر، إحدى المعضلات الكبيرة للمؤرخين الذين تشبه أعمالهم في بعض الأحيان، الاكتشافات، فهناك العديد من الأعمال والأفكار لأفراد عاديين، لم تُسجل ولم تُدون البتة، كما أن كثيرًا مما قد دُوِّن، فُقد أو أُتْلفَ بمرور الزمن، وكذلك على المؤرخين الاعتماد على كتابات قلة من المؤلفين، أصبح بعضها قطعًا متفرقة هنا وهناك.
يُحلل المؤرخون الوثائق، التي عليهم العمل بها، لتحديد ما يمكن الاعتماد عليه منها. وتتم مقارنة الوثائق بمصادر أخرى منعًا لوقوع أي خطأ في تسلسل الأحداث أو اختلاف في أسلوب الكتابة، وعليهم أيضًا التأكد من أمانة كاتب الوثيقة للتعامل معه.
تفسير الحوادث التاريخية
تعتبر الحقائق التاريخية الرئيسية، معطيات عامة، تُعتمد من قِبَل جميع المؤرخين، لكونها غير مشكوك فيها. ومع ذلك، يختلف المؤرخون في الغالب، حول معاني ودلالات تلك الحقائق. ويحاولون أن يكونوا محايدين قدر الإمكان، لكن قد تؤثر معتقداتهم والأحكام المسبقة في تفسيراتهم. فعلى سبيل المثال، قد تحمل الأفكار الاجتماعية والاقتصادية والدينية مؤرخًِا ما على تقبّل ما يعتقده الأشخاص الآخرون على أنه أمر عادي أو مسلّم به. يحدد هذا الحكم بالمقابل ما يقبله المؤرخون شهادة موثوقًا بها، أو دليلاً لتفسير الحوادث. وتبين مثل هذه التفسيرات، الأسباب الداعية لعدم قبول أو موافقة المؤرخين على الحوادث، مع استخدامهم لنفس المعطيات.
ويعتمد بعض المؤرخين، في تفسيراتهم، ولحد كبير، على المعلومات من بعض العلوم الاجتماعية، وتُدعى الدراسات التاريخية المعتمدة على نظريات علم النفس، التاريخ النفسي. وبشكل مماثل، يستخدم بعض المؤرخين الطرق الإحصائية لتفسير المعطيات من تلك المصادر، كالإحصاءات القديمة ودفاتر الحساب، ويُدعى هذا سليومتريك.
في نهاية المطاف يُعد المؤرخون بيانات مدونة عن الحوادث. وكتابة التاريخ جزء من ميدان يُدعى التأريخ. ويستخدم بعض أفضل المؤرخين، البراعة الفنية للروائيين والكتاب المسرحيين للتعبير قدر الإمكان.
النظريات التاريخية
طور العلماء، منذ أقدم الأزمنة، النظريات التاريخية لشرح السياق العام للحوادث البشرية من خلال بعض العموميات الرئيسية، فعلى سبيل المثال، يعتبر اليونانيون القدامى التاريخ دورة من الحوادث تعيد نفسها دون نهاية، بينما تعتبره النظرية النَّصرانيَّة التقليدية سلسلة من الحوادث لها بداية ونهاية، ووفقًا لهذا الاعتقاد يوجه الله الحوادث الإنسانية نحو الهدف النهائي للبشرية. وسيطرت هذه النظرية على مجمل المدونات التاريخية في العصور الوسطى.
وينبثق تناول أحداث التاريخ عند المسلمين من تصور الإسلام للكون والحياة والإنسان؛ لذا فإن حركة التاريخ في الإسلام ذات طابع مميز عن حركة التاريخ العالمي الذي لا أثر فيه للوحي. انظر: التاريخ الإسلامي، منهج كتابة. وكان حياد المؤرخين العرب وعدم تحيزهم سمتين من السمات الكثيرة التي أضفت على نظرة العرب للتاريخ مصداقية كبيرة. وكانوا هم أول من ابتكر ـ لضمان الصواب في تسجيل الأحداث ـ تسجيل الأحداث بالسنة والشهر واليوم أحيانًا وهو ما لم يحدث في أوروبا إلا في نهاية القرن السادس عشر الميلادي.
وافترض الباحثون في الأزمنة الحديثة، عددًا من النظريات، كما طَوّر الفلاسفة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين مفهوم التاريخ، باعتبارها عمليات حتمية للتطور، واعتقدوا أن حوادث هذا التطور سوف تؤدي إلى نظام اجتماعي منطقي شامل، يعتمد على الفهم العلمي للحوادث البشرية.
حاول المؤرخ الألماني أوزوالد سبنجلر في كتابه انحدار الغرب (1918-1922م) أن يُبرهن على أن الحضارات مثل الكائنات العضوية، تمر خلال دورة من الولادة، والتطور والوفاة. أما أرنولد توينبي، المؤرخ البريطاني، فقد قدم نظرية دورة الحضارات في كتابه المكوّن من اثني عشر مجلدًا: دراسة التاريخ (1934- 1961م). ولم يوافق توينبي على آراء سبنجلر في أن الحضارة الغربية في طريقها إلى الموت.
تفترض جميع النظريات التاريخية، تقريبًا، أن لها معاني وأهدافًا لكن ليس هناك أي دلائل قوية لدعم هذا التصور. يسأل العديد من العلماء اليوم، عمَّا إذا كان التاريخ يتضمن أي معنى أكثر مما يقرأه الناس في مدوناته.
ولذلك ابتعد معظم الفلاسفة عن مثل هذه النظريات وبدلاً من ذلك، قاموا بفحص عدد من المواضيع مثل طبيعة التاريخ بصفته ميدانًا للمعرفة والطريقة المستخدمة من المؤرخين للتفسير.
تطور الكتابة التاريخية
العصور القديمة. جاء أقدم تاريخ مُدّون في العالم من الصين، وقد اكتشف علماء الآثار وثائق عن التاريخ الصيني المكتوب قبل 1000ق.م. كان سيماكيان (سوماتشاين) أول مؤرخ صيني كبير، دَوّن معظم أحداث التاريخ الصيني المبكر حوالي عام 100ق.م.
بدأت كتابة التاريخ الغربي في اليونان القديمة. وكان أول المؤرخين الإغريق هو هيرودوت، الذي عاش في القرن الخامس ق.م، وكتب الكثير عن الحروب التي دارت بين الإغريق والفرس. وكان لدى هيرودوت والذي يُدعى أبا التاريخ القليل من الوثائق الإغريقية ولا يعرف قراءة اللغة الفارسية، لهذا اعتمد بشكل رئيسي في سرده على الشهادات الشفوية والتقليدية، وأضاف إليها تفاصيل خيالية لتصبح أكثر حيوية، غير أن المؤرخين الغربيين يؤكدون دقة كتاباته من الناحية الأساسية.
كان أكثر خلفاء هيرودوت شهرة في ميدان التأريخ ثيوسيديديس الذي اعتمد الدقة والنقد في كتاباته. ويعتبر كتابه تاريخ الحرب البلوبونيزية زاخرًا بمعلومات دقيقة وموثوقة عن تلك الحرب، التي امتدت سبعة وعشرين عامًا، وحققت فيها أسبرطة النصر على أثينا عام 404ق.م.
اشتهر أيضًا العديد من المؤرخين الرومان مثل، ليفي ¸تيتوس ليفيوس· الذي كتب كتابًا مطولاً تضمن قصصًا مفصلة بعنوان تاريخ روما قدم فيه قصة روما، منذ إنشائها وحتى العام التاسع ق.م. واشتهر كورنليوس تاكيتوس خصوصًا بكتابيه تواريخ وتحويلات، وتتناول تلك الأعمال، التاريخ الروماني منذ وفاة الإمبراطور أوغسطوس في العام 14م، وحتى نهاية حكم فيتليوس عام 69م.
التاريخ عند العرب
راعى المؤرخون العرب صدق الرواية في تأريخهم لأنفسهم ولغيرهم من الأمم الأخرى. وكانت أغلب مؤلفاتهم تدور حول تاريخ البلدان التي فتحوها، وتاريخ الإسلام وتاريخ أهم الأقطار والمدن كمصر والأندلس والمغرب ومكة والمدينة ودمشق وبغداد. ومن أبرز المؤرخين العرب والمسلمين المسعودي وأهم مؤلف له في التاريخ مروج الذهب، ومحمد بن جرير الطبري وأشهر كتبه تاريخ الرسل والملوك، ومن أشهر المؤرخين في العالم عبدالرحمن بن خلدون ويُعد كتابه المقدمة من أروع وأوسع كتب التاريخ، وقد استقاه من ملاحظاته فيما يقع من أحداث، ويرى أن هناك اطرادًا في السلوك الإنساني شبيه بما يحدث في الطبيعة. كما أدى انتشار العربية بين غير العرب من نصارى ويهود إلى أن ألف بعضهم كتبًا في التأريخ النصراني واليهودي باللغة العربية، ومن بين هؤلاء البطريرك يوتيخيوس والأسقف ساويروس الملقب بأبي البشر بن المقفع وقد ألفا في تاريخ الكنائس الشرقية. ومن أفضل كتب التاريخ التي ألفت في القرن الثالث عشر الهجري، التاسع عشر الميلادي كتاب عبدالرحمن الجبرتي عجائب الآثار في التراجم والأخبار ويعد الجبرتي من بين أشهر مؤرخي العالم العشرة.
ومعظم ما كتب عن تاريخ العرب والمسلمين ـ خلال نهاية القرن التاسع عشر وإلى ما بعد النصف الثاني من القرن العشرين ـ كان قد كتبه المستشرقون والمستعمرون، وقد وضعوا الأسس الحديثة لكتابة هذا التاريخ، وكانوا ملتزمين فيه بما يعود عليهم بالنفع وهو ما لا يشترط، في الغالب، أن يعود بمثله على العرب والمسلمين. إلا أنه ظهرت مؤلفات في منتصف القرن العشرين الميلادي ونهايته صارت تتناول التاريخ العربي من منظور أوسع، من ذلك كتاب محمد كرد علي الإسلام والحضارة العربية، وعبدالمنعم ماجد في كتابه التاريخ السياسي للدول العربية، وأحمد شلبي في موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية.
العصور الوسطى
شارك الكتاب النَّصارى بما فيهم عدد من الرهبان في غالبية المدونات التاريخية عن تلك الفترة، وقد حاول بعض المؤرخين النصارى كتابة تاريخ عالمي يمزج كلاّ من التاريخ اليهودي والنَّصرانيّ، مع سجلات الماضي الإغريقي والروماني. قدم الراهب أوزبيوس من قيسارية في فلسطين في أوائل القرن الرابع الميلادي، التاريخ العالمي الأكثر أهمية في نموذجه. وكذلك تاريخ النَّصرانيَّة المعروف باسم التاريخ الكنسي، وأوضح فيه أن الله يسيطر على الحوادث البشرية. وطَوّرَ القديس أوغسطين هذه الفكرة خلال القرن الخامس الميلادي، إلى فلسفة للتاريخ ضمن كتابه مدينة الله.
كان من المؤرخين الغربيين في أوائل العصور الوسطى الأوروبية الراهب الإنجليزي بيدي، وكان مؤلفه الرئيسي التاريخ الكنسي للشعب الإنجليزي (731م)، الذي ما يزال مصدرًا رئيسيًا للتاريخ الإنجليزي عن تلك الفترة. حاول العديد من مؤرخي العصور الوسطى، وفيهم بيدي، إظهار الدور الإلهي في الحوادث التاريخية. وتبدو أعمالهم مقبولة اليوم، باعتبارها وثائق رئيسية لتلك الحوادث التي تناولتها مؤلفاتهم.
وكتب المؤرخ العربي الكبير ابن خلدون، في القرن الرابع عشر الميلادي، دراسته التاريخية ذات المجلدات السبعة. وكذلك تتابعت عملية التأليف التاريخي في القرن الخامس عشر الميلادي، وركّز المؤرخون الأوروبيون على الدور البشري في الحوادث والإقلال من الدور الإلهي.
ليوبولد فون رانكه الألماني الجنسية وضع كثيرًا من طرق البحث التاريخي الأساسية.
العصور الحديثة في أوروبا. كان العالم البريطاني إدوارد جبون واحدًا من المؤرخين في أوائل العصور الحديثة، وقد أظهرت دراسته تاريخ انحطاط الإمبراطورية الرومانية وسقوطها (1776- 1788م) أنه عالم دقيق ومتقن. وعكس كتابه أيضًا نزعته ضد النَّصرانيَّة، لأنه يعتبرها مسؤولة ولو بقدر ضئيل عن سقوط الإمبراطورية الرومانية.
تطورت طرق الدراسة التاريخية الحديثة في القرن التاسع عشر الميلادي، وأصبح التاريخ ميدانًا أكاديميًا مميزًا. ولعب المؤرخ الألماني ليوبولد فون رانكه دورًا في تطوير دراسة التاريخ في القرن التاسع عشر. عُرف رانكه في الغرب بأبي التاريخ الحديث. فقد قسّم الطرق الرئيسية المتبعة من قبل المؤرخين المحدثين لتحليل وتقييم الوثائق، وقدّم أيضًا طريقة الحلقات الدراسية لتدريب مؤرخي المستقبل على طرق البحث، ودرس التاريخ السياسي بشكل رئيسي.
بدأ المؤرخون الأوروبيون والأمريكيون في القرن العشرين بالتركيز على أهمية القوى الاجتماعية والاقتصادية في التاريخ. ويدرس المؤرخون اليوم، تلك القوى وكافة المواضيع الأخرى عن الماضي البشري.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى