تعلم الرياضيات والجدوى منها
الخميس أكتوبر 01, 2009 7:37 pm
[b]
تعتبر مادة الرياضيات من أهم المواد العلمية الأساسية، فهي تعرف بمفتاح العلوم، وفي العصر الحديث امتد استخدام الرياضيات إلى مواد كان يظن أن ليس لها علاقة بالرياضيات، مثل اللغة والعلوم الاجتماعية والتربوية. فالرياضيات
دخلت مجال الدراسات اللغوية من باب التمثيل اللغوي والعلوم الاجتماعية والتربوية من باب التحليل الإحصائي. وأصبحت الرياضيات مادة أساسية في كل حقل من حقول المعرفة، ولكن الحاجة إليها تختلف في الكمية والنوعية من حقل إلى حقل معرفي آخر. لذا فلا غرابة أن يكون نصيب مادة الرياضيات كبيراً في جدول الطالب. وأعتقد أن ليس هنالك خلاف على أهمية مادة الرياضيات، ولكن الخلاف هو في الكمية والنوعية في مناهج الرياضيات لطلاب التعليم العام. ومن الملاحظ حالياً حرص القائمين على التعليم على تطوير هذه المناهج بصورة مستمرة، لما نرى من التعديلات المتتالية والمتسارعة للمناهج بين حين وآخر، وذلك سعياً لتقديم الأفضل للطلبة.
ولكن من الأشياء الملحوظة هي استمرار نسب الرسوب العالية في مادة الرياضيات مقارنة بالنسب الأخرى لبقية المواد برغم تغير المناهج عبر السنين، وكذلك الضعف العام في الرياضيات لخريجي التوجيهي. فيا ترى لماذا تستمر هذه النسب العالية للرسوب في مادة الرياضيات؟ أهي بسبب أن القدرات الرياضية عند كثير من الطلبة ضعيفة، أم أن معلمي ومعلمات الرياضيات لا يستطيعون توصيل المعلومات إلى الطلبة والطالبات، أم أن المناهج صعبة الفهم؟
قبل البدء في مناقشة ماذا يجب أن يدرس في مادة الرياضيات، نحتاج إلى أن نحدد أولاً الهدف من تدريس مادة الرياضيات! نعم هنالك أهداف عامة لا يختلف عليها اثنان، ولكن الاختلاف يكمن في التفاصيل والمحتويات وكيفية تحقيق تلك الأهداف. فمن بين هذه الأهداف أن يكون خريج الثانوية العامة قادراً على العمل والعطاء بشكل فعال في المجتمع، قادراً على مواصلة التعليم الجامعي والعالي.
إذن نستطيع تقسيم الطلبة إلى أربع فئات:
الأولى: من سيلتحق بالعمل مباشرة بعد الثانوية.
الثانية: من سيواصل التعليم في اختصاص لا يحتاج إلى الرياضيات بصورة أساسية (مثل العلوم الإنسانية)
الثالثة: من سيواصل التعليم في اختصاص يحتاج إلى الرياضيات بصورة أساسية (مثل العلوم الهندسية)
الرابعة: من سيواصل التعليم الجامعي في مجال الرياضيات بالتحديد.
فالفئة الرابعة أقل من 1% من نسبة خريجي الثانوية العامة، أما باقي الفئات فتقدر بــ 20% للفئة الأولى، وبــ 50% للفئة الثانية، وبــ 29% للفئة الثالثة. وعلى هذا فيجب أن يمثل المنهج واقع الاستخدام الفعلي للرياضيات، أي أن حجم المادة التخصصية في المنهج يجب أن لا تتعدى 1% وحجم الرياضيات ذات التطبيق العلمي لا تتعدى 29%، وباقي المنهج (70%) يجب أن يحتوي على الرياضيات العملية التي يحتاج إليها معظم المجتمع. بمعنى آخر إذا كان أكثر من 70% من المنهج لا يستطيع أن يفهمه عامة الناس فهو لا يخدم المجتمع على الوجه المطلوب.
يكثر التنظير في نوعية مناهج الرياضيات وطرائق تدريسها، ولكن ما هو ناجح على أرض الواقع قليل جداً، وكثير من التجارب والإحصائيات التي أجريت تبدو ناجحة في ميدان التجربة ولكن عند التطبيق الفعلي لها تفشل. فعلى سبيل المثال تجربة الرياضيات الحديثة التي نادى بها كثير من علماء الرياضيات، والتي تبنتها منظمة اليونسكو ظناً منها أنها وسيلة جيدة لتطوير تعليم الرياضيات في الدول النامية. فالرياضيات الحديثة أعطت في حقل التجارب نتائج جيدة حسب مقاييس الباحثين، ولكن عندما طبقت على أرض الواقع باءت بالفشل. ولو أن هنالك اختلافات حول فشلها، وهنالك من لا يزال يجادل بأنها ناجحة، فالرد على ذلك ليس بإجراء تجربة ثالثة ورابعة، ولكن علينا ببساطة أن نحصي عدد الدول المتقدمة التي مازالت تدرس الرياضيات الحديثة كمنهج رياضيات أساسي. حسب علمي فإن فرنسا -والتي كانت من أوائل المطبقين لها- بدأت بترك فكرة الرياضيات الحديثة، أما بريطانيا والولايات المتحدة واليابان فلم يتبنوا هذه المناهج أصلاً، رغم أن منظمة اليونسكو قد تبنتها! ففي هذه الدول بقي تعليم الرياضيات على الطريقة التقليدية مع إضافة أشياء قليلة من الرياضيات الحديثة وتطوير في طرائق العرض، ولكن بقيت المادة الأساسية كما كانت. ففي بريطانيا والولايات المتحدة تدرس مادة الرياضيات الحديثة كمادة مستقلة اختيارية لمرحلة الثانوية.
وماذا عن الرياضيات الحديثة؟ الواقع أنها ليست بتلك الحديثة فعمرها تجاوز المائة عام، فيا ترى هل هي فعلاً حديثة؟ قد يعتمد الجواب على سن القارىء! ومع هذا العمر مازالت تحتوي على عدد من المتناقضات التي لم تحسم بعد، بالإضافة إلى هذا فهي مبنية على نظريات تجريدية بحتة، لا أعتقد أن معظم المجتمع بحاجة إليها أو يستطيع استيعابها. إذاً لا عجب أن تكون نسبة الرسوب في مادة الرياضيات عالية. نعم المناهج الحالية لم تعد تسمى بالرياضيات الحديثة كما كانت في السابق، ولكن مازال كثير من فضلاتها تتخلل المناهج.
هنالك جدل فلسفي بين علماء الرياضيات حول أساسات الرياضيات، وأن نظريات المجموعات تمثل الأساس الجيد للرياضيات، وهذا الجدل يسمى بأزمة أساسات الرياضيات. ولكن لماذا نقحم هؤلاء الطلبة المساكين في فلسفات عن مجموعة فارغة «فاي». حتى لو كانت أساساً جيداً لعلم الرياضيات، فهذا لا يعني أن تدريسها مناسب للتعليم العام. فالرياضيات الحديثة ليس من السهل ربطها بتطبيقات عملية تشعر الطالب بأهميتها. فلا عجب أن تتحول مادة الرياضيات إلى محفوظات عند كثير من الطلبة، فقط احفظ النظريات والبراهين لتطبعها في الاختبار ودعك من الفائدة من هذه النظريات. بهذا نخرج طلبة لاهم الذين استطاعوا فهم الرياضيات التجريدية البحتة ولا بالذين أخذوا ما يفيدهم في حياتهم العملية.
في تصوري أن تصميم المنهج لا يبدأ بالمادة ثم يبحث عن كيف تدرس هذه المادة، ولكن الواجب أن نطرح السؤال ماذا نريد من هذه المادة؟، هل نريد من الطالب أن يكون فيلسوفاً في الرياضيات أو متخصصاً فيها، فإن كنا لا نريد هذه ولا تلك وجب علينا النظر فيما سيستخدم المتعلم هذه المادة. فجميع الطلبة سيحتاجون إلى مادة الرياضيات في الحياة العملية، وبعضهم يحتاج إليها في تخصصاتهم الدراسية ولكن بكميات متفاوتة. إذاً نستطيع تحديد المهارات الرياضية التي يحتاج إليها الطالب في حياته العلمية والعملية في البنود التالية:
1- الحساب (الجمع، الطرح، الضرب، القسمة)
2- الأشكال الهندسية البسيطة.
3- مبادىء الهندسة.
4- حساب المساحة والحجم.
5- التمثيل الرياضي المجرد للأشياء المحسوسة.
6- المعادلات الجبرية البسيطة.
7- مبادىء الإحصاء.
8- الرسم البياني.
لا يسمح المجال هنا إلى الدخول في التفاصيل، ولكن هذه رؤوس أقلام لجميع مراحل التعليم، ويتدرج المنهج فيها حسب المرحلة. فمثلاً يكتفي طلبة الابتدائي أن تكون لديهم مهارة الحساب وبعض الأشكال الهندسية، والمرحلة المتوسطة تركز على مبادىء الهندسة وحساب المساحة والحجم، وكذلك جزء من التمثيل الرياضي. وأما المرحلة الثانوية فتراجع مرحلة المتوسطة وتستكمل باقي البنود، مع ملاحظة أن في المرحلة الثانوية تكون كثافة المادة حسب التخصص. فقسم الأدبي لا تحذف منه مادة الرياضيات بالكامل ولكن تكون كمية المادة متناسبة مع تخصصهم، وكذلك في القسم العلمي تكون الكمية حسب حاجتهم لدراسة المواد العلمية الأخرى. وعليه فحجم الكتب وعدد ساعات الدراسة في مادة الرياضيات تخفض بما يتناسب مع هذه الخطة.
نعم المناهج الحالية تغطي هذه البنود بشكل أو بآخر، ولكنها مغمورة تحت كم هائل من النظريات والبراهين والتعاريف ونظرية طالس وما أدراك ما نظرية طالس! وكلام لا ينتهي عن المجموعات الفارغة والمتجهات والمصفوفات التي لا يكاد يفهمها الجامعي فما بالك بطالب التعليم العام. لذا يجب ألا يتعدى عدد النظريات في الفصل الدراسي عن نظرية واحدة، ولا يطالب الطالب بحفظها أو حفظ بُرهانها وإنما فقط بمعرفة كيف يطبقها، فليس الهدف هو النظرية بحد ذاتها، ولكن التطبيق هو الأهم. فالنظريات بطبيعتها لها طرائق محدودة لبرهنتها، ولا مجال للطالب العادي أن يُبدع في البرهنة، وإن أبدع ففي الغالب لن يتعرف المعلم على هذا الإبداع، وسيعتبر البرهان المبتدع خطأ؛ لأنه ليس كما في نص الكتاب!. فعلى سبيل المثال نظرية فيثاغورس لأطوال المثلث قائم الزاوية كثيراً ما يطلب من الطالب في الاختبار برهنتها، والسبب الذي يقدم هو أنه إذا تعلم الطالب البرهنة فإن القدرة المنطقية عنده تنمو في تحليل المسائل الرياضية، ولكن الواقع المر أن الطالب فقط يحفظ البرهان كما هو في الكتاب ليعيد طباعته في ورقة الإجابة. وأعتقد أنه من الأفضل أن يتعرف الطالب على النظرية وتطبيقها، ولا بأس من وضع البرهان كمعلومة إضافية. وتتركز تمارين الكتاب وأسئلة الاختبار على التطبيق العملي للنظرية، ولا بأس من طباعة النظرية في ورقة الاختبار؛ لأن الهدف ليس الحفظ، ولكن الهدف هو معرفة التطبيق. وهذا ما يحدث في الحياة العملية، فالنظريات في متناول أي شخص من أي كتاب رياضيات ولكن القدرة على التطبيق لا يستطيع أن يكتسبها من الكتاب فقط، فهو بحاجة إلى شرح المعلم وممارسة النظرية ليكتسب مهارة تطبيق الرياضيات.
فالقدرة على تحويل المشكلات العلمية إلى معادلات رياضية ومن ثم تطبيق النظريات الرياضية لحلها هو ما
يحتاج إليه الإنسان في حياته العلمية والعملية، كما هو الحال في مجال الحاسوب والتجارة. ومن أراد أن يستزيد من التنظير والنظريات فقسم الرياضيات في الجامعة مفتوح لمن لهم القدرة على ذلك.
فمادة الرياضيات قابلة للتبسيط، وذلك بالتركيز على الحاجة الفعلية وإلا فهنالك آلاف النظريات الرياضية، ويضاف إليها أكثر من عشرين ألف نظرية جديدة سنوياً تودع في بطون المجلدات، وما يصل إلى التطبيق قليل جداً، ولكن عندما يوجد للنظرية تطبيق تساهم في دفع عجلة التقدم العلمي والتقني بشكل فعال. فعندما يرى الطالب أن النظرية لها تطبيق عملي يلمس فائدة الرياضيات، وهذا يعطيه الدافع للتزود من المادة وإلا فسنبقى نسمع السؤال الذي يتكرر باستمرار على ألسنة الطلبة والطالبات وهو: ما الفائدة من الرياضيات؟.
فهذا السؤال الذي نسمعه كل يوم وآخر، لم يطرح إلا لأن الفائدة غير ملموسة في مناهج الرياضيات الحالية. وتلك النقاط التي ذكرت قد تكون قليلة لمن هم متخصصون في الرياضيات، ولكن لو استوعب الطالب هذه النقاط بشكل جيد عند تخرجه في الثانوية سواء كان متخصصاً في الأدبي أو العلمي لكفته بإذن الله لكل حاجاته العملية والعلمية.
تعتبر مادة الرياضيات من أهم المواد العلمية الأساسية، فهي تعرف بمفتاح العلوم، وفي العصر الحديث امتد استخدام الرياضيات إلى مواد كان يظن أن ليس لها علاقة بالرياضيات، مثل اللغة والعلوم الاجتماعية والتربوية. فالرياضيات
دخلت مجال الدراسات اللغوية من باب التمثيل اللغوي والعلوم الاجتماعية والتربوية من باب التحليل الإحصائي. وأصبحت الرياضيات مادة أساسية في كل حقل من حقول المعرفة، ولكن الحاجة إليها تختلف في الكمية والنوعية من حقل إلى حقل معرفي آخر. لذا فلا غرابة أن يكون نصيب مادة الرياضيات كبيراً في جدول الطالب. وأعتقد أن ليس هنالك خلاف على أهمية مادة الرياضيات، ولكن الخلاف هو في الكمية والنوعية في مناهج الرياضيات لطلاب التعليم العام. ومن الملاحظ حالياً حرص القائمين على التعليم على تطوير هذه المناهج بصورة مستمرة، لما نرى من التعديلات المتتالية والمتسارعة للمناهج بين حين وآخر، وذلك سعياً لتقديم الأفضل للطلبة.
ولكن من الأشياء الملحوظة هي استمرار نسب الرسوب العالية في مادة الرياضيات مقارنة بالنسب الأخرى لبقية المواد برغم تغير المناهج عبر السنين، وكذلك الضعف العام في الرياضيات لخريجي التوجيهي. فيا ترى لماذا تستمر هذه النسب العالية للرسوب في مادة الرياضيات؟ أهي بسبب أن القدرات الرياضية عند كثير من الطلبة ضعيفة، أم أن معلمي ومعلمات الرياضيات لا يستطيعون توصيل المعلومات إلى الطلبة والطالبات، أم أن المناهج صعبة الفهم؟
قبل البدء في مناقشة ماذا يجب أن يدرس في مادة الرياضيات، نحتاج إلى أن نحدد أولاً الهدف من تدريس مادة الرياضيات! نعم هنالك أهداف عامة لا يختلف عليها اثنان، ولكن الاختلاف يكمن في التفاصيل والمحتويات وكيفية تحقيق تلك الأهداف. فمن بين هذه الأهداف أن يكون خريج الثانوية العامة قادراً على العمل والعطاء بشكل فعال في المجتمع، قادراً على مواصلة التعليم الجامعي والعالي.
إذن نستطيع تقسيم الطلبة إلى أربع فئات:
الأولى: من سيلتحق بالعمل مباشرة بعد الثانوية.
الثانية: من سيواصل التعليم في اختصاص لا يحتاج إلى الرياضيات بصورة أساسية (مثل العلوم الإنسانية)
الثالثة: من سيواصل التعليم في اختصاص يحتاج إلى الرياضيات بصورة أساسية (مثل العلوم الهندسية)
الرابعة: من سيواصل التعليم الجامعي في مجال الرياضيات بالتحديد.
فالفئة الرابعة أقل من 1% من نسبة خريجي الثانوية العامة، أما باقي الفئات فتقدر بــ 20% للفئة الأولى، وبــ 50% للفئة الثانية، وبــ 29% للفئة الثالثة. وعلى هذا فيجب أن يمثل المنهج واقع الاستخدام الفعلي للرياضيات، أي أن حجم المادة التخصصية في المنهج يجب أن لا تتعدى 1% وحجم الرياضيات ذات التطبيق العلمي لا تتعدى 29%، وباقي المنهج (70%) يجب أن يحتوي على الرياضيات العملية التي يحتاج إليها معظم المجتمع. بمعنى آخر إذا كان أكثر من 70% من المنهج لا يستطيع أن يفهمه عامة الناس فهو لا يخدم المجتمع على الوجه المطلوب.
يكثر التنظير في نوعية مناهج الرياضيات وطرائق تدريسها، ولكن ما هو ناجح على أرض الواقع قليل جداً، وكثير من التجارب والإحصائيات التي أجريت تبدو ناجحة في ميدان التجربة ولكن عند التطبيق الفعلي لها تفشل. فعلى سبيل المثال تجربة الرياضيات الحديثة التي نادى بها كثير من علماء الرياضيات، والتي تبنتها منظمة اليونسكو ظناً منها أنها وسيلة جيدة لتطوير تعليم الرياضيات في الدول النامية. فالرياضيات الحديثة أعطت في حقل التجارب نتائج جيدة حسب مقاييس الباحثين، ولكن عندما طبقت على أرض الواقع باءت بالفشل. ولو أن هنالك اختلافات حول فشلها، وهنالك من لا يزال يجادل بأنها ناجحة، فالرد على ذلك ليس بإجراء تجربة ثالثة ورابعة، ولكن علينا ببساطة أن نحصي عدد الدول المتقدمة التي مازالت تدرس الرياضيات الحديثة كمنهج رياضيات أساسي. حسب علمي فإن فرنسا -والتي كانت من أوائل المطبقين لها- بدأت بترك فكرة الرياضيات الحديثة، أما بريطانيا والولايات المتحدة واليابان فلم يتبنوا هذه المناهج أصلاً، رغم أن منظمة اليونسكو قد تبنتها! ففي هذه الدول بقي تعليم الرياضيات على الطريقة التقليدية مع إضافة أشياء قليلة من الرياضيات الحديثة وتطوير في طرائق العرض، ولكن بقيت المادة الأساسية كما كانت. ففي بريطانيا والولايات المتحدة تدرس مادة الرياضيات الحديثة كمادة مستقلة اختيارية لمرحلة الثانوية.
وماذا عن الرياضيات الحديثة؟ الواقع أنها ليست بتلك الحديثة فعمرها تجاوز المائة عام، فيا ترى هل هي فعلاً حديثة؟ قد يعتمد الجواب على سن القارىء! ومع هذا العمر مازالت تحتوي على عدد من المتناقضات التي لم تحسم بعد، بالإضافة إلى هذا فهي مبنية على نظريات تجريدية بحتة، لا أعتقد أن معظم المجتمع بحاجة إليها أو يستطيع استيعابها. إذاً لا عجب أن تكون نسبة الرسوب في مادة الرياضيات عالية. نعم المناهج الحالية لم تعد تسمى بالرياضيات الحديثة كما كانت في السابق، ولكن مازال كثير من فضلاتها تتخلل المناهج.
هنالك جدل فلسفي بين علماء الرياضيات حول أساسات الرياضيات، وأن نظريات المجموعات تمثل الأساس الجيد للرياضيات، وهذا الجدل يسمى بأزمة أساسات الرياضيات. ولكن لماذا نقحم هؤلاء الطلبة المساكين في فلسفات عن مجموعة فارغة «فاي». حتى لو كانت أساساً جيداً لعلم الرياضيات، فهذا لا يعني أن تدريسها مناسب للتعليم العام. فالرياضيات الحديثة ليس من السهل ربطها بتطبيقات عملية تشعر الطالب بأهميتها. فلا عجب أن تتحول مادة الرياضيات إلى محفوظات عند كثير من الطلبة، فقط احفظ النظريات والبراهين لتطبعها في الاختبار ودعك من الفائدة من هذه النظريات. بهذا نخرج طلبة لاهم الذين استطاعوا فهم الرياضيات التجريدية البحتة ولا بالذين أخذوا ما يفيدهم في حياتهم العملية.
في تصوري أن تصميم المنهج لا يبدأ بالمادة ثم يبحث عن كيف تدرس هذه المادة، ولكن الواجب أن نطرح السؤال ماذا نريد من هذه المادة؟، هل نريد من الطالب أن يكون فيلسوفاً في الرياضيات أو متخصصاً فيها، فإن كنا لا نريد هذه ولا تلك وجب علينا النظر فيما سيستخدم المتعلم هذه المادة. فجميع الطلبة سيحتاجون إلى مادة الرياضيات في الحياة العملية، وبعضهم يحتاج إليها في تخصصاتهم الدراسية ولكن بكميات متفاوتة. إذاً نستطيع تحديد المهارات الرياضية التي يحتاج إليها الطالب في حياته العلمية والعملية في البنود التالية:
1- الحساب (الجمع، الطرح، الضرب، القسمة)
2- الأشكال الهندسية البسيطة.
3- مبادىء الهندسة.
4- حساب المساحة والحجم.
5- التمثيل الرياضي المجرد للأشياء المحسوسة.
6- المعادلات الجبرية البسيطة.
7- مبادىء الإحصاء.
8- الرسم البياني.
لا يسمح المجال هنا إلى الدخول في التفاصيل، ولكن هذه رؤوس أقلام لجميع مراحل التعليم، ويتدرج المنهج فيها حسب المرحلة. فمثلاً يكتفي طلبة الابتدائي أن تكون لديهم مهارة الحساب وبعض الأشكال الهندسية، والمرحلة المتوسطة تركز على مبادىء الهندسة وحساب المساحة والحجم، وكذلك جزء من التمثيل الرياضي. وأما المرحلة الثانوية فتراجع مرحلة المتوسطة وتستكمل باقي البنود، مع ملاحظة أن في المرحلة الثانوية تكون كثافة المادة حسب التخصص. فقسم الأدبي لا تحذف منه مادة الرياضيات بالكامل ولكن تكون كمية المادة متناسبة مع تخصصهم، وكذلك في القسم العلمي تكون الكمية حسب حاجتهم لدراسة المواد العلمية الأخرى. وعليه فحجم الكتب وعدد ساعات الدراسة في مادة الرياضيات تخفض بما يتناسب مع هذه الخطة.
نعم المناهج الحالية تغطي هذه البنود بشكل أو بآخر، ولكنها مغمورة تحت كم هائل من النظريات والبراهين والتعاريف ونظرية طالس وما أدراك ما نظرية طالس! وكلام لا ينتهي عن المجموعات الفارغة والمتجهات والمصفوفات التي لا يكاد يفهمها الجامعي فما بالك بطالب التعليم العام. لذا يجب ألا يتعدى عدد النظريات في الفصل الدراسي عن نظرية واحدة، ولا يطالب الطالب بحفظها أو حفظ بُرهانها وإنما فقط بمعرفة كيف يطبقها، فليس الهدف هو النظرية بحد ذاتها، ولكن التطبيق هو الأهم. فالنظريات بطبيعتها لها طرائق محدودة لبرهنتها، ولا مجال للطالب العادي أن يُبدع في البرهنة، وإن أبدع ففي الغالب لن يتعرف المعلم على هذا الإبداع، وسيعتبر البرهان المبتدع خطأ؛ لأنه ليس كما في نص الكتاب!. فعلى سبيل المثال نظرية فيثاغورس لأطوال المثلث قائم الزاوية كثيراً ما يطلب من الطالب في الاختبار برهنتها، والسبب الذي يقدم هو أنه إذا تعلم الطالب البرهنة فإن القدرة المنطقية عنده تنمو في تحليل المسائل الرياضية، ولكن الواقع المر أن الطالب فقط يحفظ البرهان كما هو في الكتاب ليعيد طباعته في ورقة الإجابة. وأعتقد أنه من الأفضل أن يتعرف الطالب على النظرية وتطبيقها، ولا بأس من وضع البرهان كمعلومة إضافية. وتتركز تمارين الكتاب وأسئلة الاختبار على التطبيق العملي للنظرية، ولا بأس من طباعة النظرية في ورقة الاختبار؛ لأن الهدف ليس الحفظ، ولكن الهدف هو معرفة التطبيق. وهذا ما يحدث في الحياة العملية، فالنظريات في متناول أي شخص من أي كتاب رياضيات ولكن القدرة على التطبيق لا يستطيع أن يكتسبها من الكتاب فقط، فهو بحاجة إلى شرح المعلم وممارسة النظرية ليكتسب مهارة تطبيق الرياضيات.
فالقدرة على تحويل المشكلات العلمية إلى معادلات رياضية ومن ثم تطبيق النظريات الرياضية لحلها هو ما
يحتاج إليه الإنسان في حياته العلمية والعملية، كما هو الحال في مجال الحاسوب والتجارة. ومن أراد أن يستزيد من التنظير والنظريات فقسم الرياضيات في الجامعة مفتوح لمن لهم القدرة على ذلك.
فمادة الرياضيات قابلة للتبسيط، وذلك بالتركيز على الحاجة الفعلية وإلا فهنالك آلاف النظريات الرياضية، ويضاف إليها أكثر من عشرين ألف نظرية جديدة سنوياً تودع في بطون المجلدات، وما يصل إلى التطبيق قليل جداً، ولكن عندما يوجد للنظرية تطبيق تساهم في دفع عجلة التقدم العلمي والتقني بشكل فعال. فعندما يرى الطالب أن النظرية لها تطبيق عملي يلمس فائدة الرياضيات، وهذا يعطيه الدافع للتزود من المادة وإلا فسنبقى نسمع السؤال الذي يتكرر باستمرار على ألسنة الطلبة والطالبات وهو: ما الفائدة من الرياضيات؟.
فهذا السؤال الذي نسمعه كل يوم وآخر، لم يطرح إلا لأن الفائدة غير ملموسة في مناهج الرياضيات الحالية. وتلك النقاط التي ذكرت قد تكون قليلة لمن هم متخصصون في الرياضيات، ولكن لو استوعب الطالب هذه النقاط بشكل جيد عند تخرجه في الثانوية سواء كان متخصصاً في الأدبي أو العلمي لكفته بإذن الله لكل حاجاته العملية والعلمية.
- الباتولعضو
- الجنس :
عدد الرسائل : 109
العمر : 31
مقر الإقامة : متوسطة الشيخ بوعمامة تينركوك
تاريخ التسجيل : 07/07/2009
التقييم : 14
نقاط : 171
رد: تعلم الرياضيات والجدوى منها
الخميس فبراير 18, 2010 8:49 pm
شكرالا ستاد على الموضوع المهم فى دراسة الرياضيات
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى