درس بلاغي من مناظرة بين "الكندي"و"المبرد"!
الأربعاء يناير 21, 2009 2:55 pm
يؤكد الإمام الجرجاني أن الفروق والوجوه التى يحتاج القارئ المحلل المتذوق إلى التوقف عندها قد تكون من اللطف الذى يتعذر على كثير من الخاصة العلم به لأعلى التفصيل ، بل على الجملة ولا يدرونها وإن كان هذا ممن يشار إليه فى ضرب ما من ضروب المعرفان كمثل الذى كان بين "المبرد" و"الكندى"
يقول الإمام: "واعلم أن مما أغمض الطريق إلى معرفة ما نحن بصدده أن ههنا فروقا خفية تجهلها العامة وكثير من الخاصة ، ليس أنهم يجهلونها فى موضع ويعرفونها فى أخر ، بل لا يدرون أنها هى ، ولا يعلمونها فى جملة ولا تفصيل.
روى عن "أبن الأنبارى" أنه قال :
ركب "الكندى" المتفلسف إلى "أبى العبَّاس" [أى المبرد] وقال له:
إنى لأجد فى كلام العرب حشوا.
فقال له أبو العباس: فى أى موضع وجدته ذلك؟
فقال: أجد العرب يقولون: "عبد الله قائم" ثم يقولون "إن عبد الله قائم"
ثم يقولون: "إن عبد الله لقائم" فالألفاظ متكررة ، والمعنى واحد.
فقال أبو العباس: بل المعانى مختلفة لاختلاف الألفاظ
فقولهم: "عبد الله قائم" إخبار عن قيامه.
وقولهم: "إن عبد الله قائم" جواب عن سؤال سائل
وقوله: "إن عبد الله لقائم" جواب عن إنكار منكر قيامه
فقد تكررت الألفاظ لتكرر المعانى
قال: فما أحار المتفلسف جوابا
وإذا كان "الكندى" يذهب هذا عليه حتى يركب فيه ركوب مستفهم أو معترض ، فما ظنك بالعامة ومن هو فى عداد العامَّة ممن لا يخطر شبه هذا بباله"
دلك "عبد القاهر" بهذا على أن الفروق بين صور المعانى هى معدن البحث والتأمل وأن مثل هذا جدير بالتلبث عنده والسكون لاقتناصه ، ففيه من اللطف والخفاء ما قد يتوارى عن ناظر من يكون من أهل البصر بالأشياء. ومن ثم حثك على أن تعلم أن الدقائق التى هى الجديرة بالبحث عنها يحتاج المرء معها إلى استقراء وتدبر. يقول هاديا لا آمرا ، ومتلطفا مغريا محرضا لا مستعليا:
"وأعلم أن ههنا دقائق لو أن "الكندى" استقرى وتصفح وتتبع مواقع (إن) ثم ألطف النظر وأكثر التدبر ، لعلم علم الضرورة أن ليس سواء دخولها وأن لا تدخل
عن كتاب"قطرات الندى"
معالم الطريق إلى فقه الشعر لمحمود توفيق محمد سعد
يقول الإمام: "واعلم أن مما أغمض الطريق إلى معرفة ما نحن بصدده أن ههنا فروقا خفية تجهلها العامة وكثير من الخاصة ، ليس أنهم يجهلونها فى موضع ويعرفونها فى أخر ، بل لا يدرون أنها هى ، ولا يعلمونها فى جملة ولا تفصيل.
روى عن "أبن الأنبارى" أنه قال :
ركب "الكندى" المتفلسف إلى "أبى العبَّاس" [أى المبرد] وقال له:
إنى لأجد فى كلام العرب حشوا.
فقال له أبو العباس: فى أى موضع وجدته ذلك؟
فقال: أجد العرب يقولون: "عبد الله قائم" ثم يقولون "إن عبد الله قائم"
ثم يقولون: "إن عبد الله لقائم" فالألفاظ متكررة ، والمعنى واحد.
فقال أبو العباس: بل المعانى مختلفة لاختلاف الألفاظ
فقولهم: "عبد الله قائم" إخبار عن قيامه.
وقولهم: "إن عبد الله قائم" جواب عن سؤال سائل
وقوله: "إن عبد الله لقائم" جواب عن إنكار منكر قيامه
فقد تكررت الألفاظ لتكرر المعانى
قال: فما أحار المتفلسف جوابا
وإذا كان "الكندى" يذهب هذا عليه حتى يركب فيه ركوب مستفهم أو معترض ، فما ظنك بالعامة ومن هو فى عداد العامَّة ممن لا يخطر شبه هذا بباله"
دلك "عبد القاهر" بهذا على أن الفروق بين صور المعانى هى معدن البحث والتأمل وأن مثل هذا جدير بالتلبث عنده والسكون لاقتناصه ، ففيه من اللطف والخفاء ما قد يتوارى عن ناظر من يكون من أهل البصر بالأشياء. ومن ثم حثك على أن تعلم أن الدقائق التى هى الجديرة بالبحث عنها يحتاج المرء معها إلى استقراء وتدبر. يقول هاديا لا آمرا ، ومتلطفا مغريا محرضا لا مستعليا:
"وأعلم أن ههنا دقائق لو أن "الكندى" استقرى وتصفح وتتبع مواقع (إن) ثم ألطف النظر وأكثر التدبر ، لعلم علم الضرورة أن ليس سواء دخولها وأن لا تدخل
عن كتاب"قطرات الندى"
معالم الطريق إلى فقه الشعر لمحمود توفيق محمد سعد
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى