- اسماعيل التواتيمشرف المواضيع العامة
- عدد الرسائل : 257
العمر : 39
مقر الإقامة : زاوية الدباغ
تاريخ التسجيل : 10/01/2009
التقييم : 18
نقاط : 432
امتداد مقاومة الشيخ بوعمامة في الجنوب الغربي
الإثنين يناير 12, 2009 6:05 pm
الشيخ بوعمامة –رحمة الله عليه- هو أحد أحفاد الولي الصالح السيخ عبد القادر بن محمد المعروف بسيدي الشيخ.
وهو من بني عمومة سي سليمان بن حمزة زعيم الانتفاضة المسماة في التاريخ ثورة أولاد سدي الشيخ.
دخل بوعمامة التاريخ من بابه الواسع، واشتهر حتى بلغت شهرته الأصقاع والآفاق، مشرقا ومغربا؛ لأنه أشرف على انتفاضة كادت أن تعم الغرب الجزائري بأكمله، بل لأنه أدرك بالبديهة الصائبة والرأي الراجح الدور الذي يجب أن تلعبه الزوايا الروحية.
لشيخ بوعمامة هو محمد بن العربي بن الحرمة بن إبراهيم بن التاج بن عبد القادر بن محمد سيد الشيخ القطب بن سليمان بن سعيد بن أبي ليلة بن عيسى بن أبي يحي بن معمر الملقب أبو العالية بن سليمان بن سعيد بن عقيل بن حفص الملقب حرمة الله بن عساكر بن زيد بن حميد بن عيسى بن التادلي بن محمد الملقب السلي بن عيسى بن زيد بن الطفيل المدعو الزغاوي بن صفوان بن محمد بن عبد الرحمان بن سيدنا أبي بكر الصديق - رضي الله عنه-.
فهو من مواليد امغرار في حدود 1845م، حيث نشأ وترعرع في هذه المنطقة التي عرفت بالتوتر والغليان في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وانعدام مايسمى بالدولة إضافة إلى طغيان قطاع الطرق، خاصة وأن المنطقة حدودية، وهناك ما يسمى مخزن السلطان لا يتساهلون مع هذه القبائل، فهم يمارسون معها سياسة العصا الغليظة، وهي تشكل خطرا جاثما يهدد الأمن ويجعل المنطقة كلها على فوهة بركان سرعان ما يندلع في أي مكان وفي أي اتجاه.
وكان احتراف الوعي لا محيد عنه للشباب، قبل أن يشتد عودهم، فيمتهنون التجارة، وعن طريق القوافل يكونون همزة وصل بين الصحراء والتل الوهراني، إلا أن والده السي العربي بن الحرمة قرر أن يجعل ابنه ملازما للشيخ محمد بن عبد الرحمان أحد مقدمي الطريقة الشيخية، الذي تعلم على يديه بعض آي القرآن الكريم والحديث الشريف، وبعد ذلك بالنسبة لأهل لطريقة الأوراد، والأذكار ثم المبادئ العامة للتصوف والزهد في الحياة.
وتعلم الطريقة بما يؤهله لأن يكون شيخا مقدما، ومن هنا بات واضحا أن زاوية امغرار قد حُسم الأمر في شيخها ومقدمها من البداية لما عرف عن هذا الشاب من ورع وحكمة وسداد رأي ونفاذ بصيرة، وحسن تدبير تألقاً بجديه القطبين الصالحين سيدي الشيخ وسيدي سليمان بن أبي سماحة.
فها هو يكرس جانباً مهماً من حياته في طلب العلم والبحث في الأمور الفقهية المختلفة، إلا أن العصر بأكمله لم يكن ليزخر بحواضر متميزة للعلم والعلماء في هذه المنطقة من الجزائر بالضبط، فهي بؤرة توترات وحروب سواء تعلق الأمر بالغزو الفرنسي أم مخزون السلطان المغربي، المهم أن الشاب يكون قد ارتحل إلى المغرب ليتابع حلقات درس القرويين.
ويمكن أن نؤكد أن الرجل عصامي، نهل من المصادر المهمة التي وقعت بين يديه، فأخذ ما كان يجب أن يأخذ، فتثقف وتفقه واطلع على كثير من المعارف التي كان يرغب في الاطلاع عليها ككتب التصوف - على سبيل المثال.
فها هي وفود القبائل تعترف أما مقدم الطريقة بمشيخته سيداً جديداً للزاوية، وشيخاً روحياً لهذه الطريقة الصوفية البديعة المرتبطة به شخصياً، التي أطلق عليها اسماً. وفيما بعد صارت الوفود ترتاح إليه وهي الطريقة (الإيمانية)، ومن هنا تدخل اعتبارات عديدة في اختيار الشيخ الزاهد، أهمها: شرف نسبه، وسمعته الحسنة، ونبل خلقه وسيرته الورعة، ولطف تعامله مع الجميع. فعلى الرغم من ثقافته المتواضعة ودرجات التفقه غير المعمق مقارنة بمشائخ الطرق العريقة إلا أنه صاحب خبرة ومجالس ومعارف شفوية مهمة، مما جعل أهل الطريقة يزكونه لمشيخة الطريقة الصوفية، ويختارونه دون سواه، ومن هذه البداية برز تفوقه وذكاءه الخارقان، وذلك بعد أن اختار اسما للطريقة الشيخية متوخياً تغيير اسمها، تفادياً للصراع الذي قد ينشب مع بني عمومته، ولذلك كانت الطريقة الإيمانية مجرد اسم للشيخية حتى وإن بدل فيها بعض ما يمكن أن يبدل من أشياء طفيفة لا تمس جوهر الطريقة.
ولقد ركز الشيخ بوعمامة في بدايته على ربط الصلة الروحية بالقبائل، فجعل الأفئدة تتعلق بمنهجيته في الطريقة الإيمانية والتي رسمها بطابعه الورع وحياته الجهادية، ولعل العنصر الرئيسي في بصمات الشيخ هي المرتكز الجهادي الثائر على الأوضاع المزرية التي كانت تعيشها المنطقة، وأصبح من المؤكد لديه أن الوازع الديني وحده الكفيل بتغيير ما يسود من مآس، وماكاد يرتبط بالزاوية ومشيختها ويعلن عن أذكار وأوراد الطريقة الإيمانية حتى ارتبط بالسيدة ربيعة ابنة عمه، والتي أنجبت له نجله السي الطيب في عام 1870م، الذي أصبح رفيق حياته ومعاركه كلها.
لم تكن سلطات الاحتلال الفرنسي على جهل تام بما تحضره مشيخة الزاوية وزعيمها الروحي، الذي وصفته التقارير المختلفة بأنه مجرد رجل مهوس، بينما ذكرته تقارير أخرى بأنه رجل دين، صاحب طريق مرابط، يجمع أموال الزكاة لينفقها على أصحابه المجاذيب من مريدي الطريقة، والبعض وصفه بأنه مجرد مجنون مدروش.
وواصل الشيخ بوعمامة تحضيراته المادية والبشرية في سرية تامة، فاجتمع إليه شيوخ القبائل المجاورة للمنطقة، وشرع في مراسلة العديد من الذين اعتقد فيهم المؤازرة والمساندة، وقد أعطت قبيلة الشعانبة خير مثال على ذلك، كما أنه بعث وفوداً إلى أولاد سيد الشيخ الغرابة، ثم أولاد سيد الشيخ الشراقة.
وهذه أسماء بعض الرسل:
-مرزوق السروري: إلى قبائل الطرافي.
-الطيب بن الجرماني: إلى قبائل الأحرار الشراقة.
-بلقاسم ولد لزفران: إلى قبائل أولاد ازياد.
-العربي ولد الطيب أحمد: إلى قبائل الرزاينة.
لقد بعث الشيخ بوعمامة عدة رسائل إلى أعيان القبائل وتلا عليهم رسالة الجهاد مع توضيح الأسباب، وهذه الرسالة التي تلاها عليهم:
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله: جماعتنا المحروسة بعين الرضا قبيلة بعد قبيلة من غير تخصيص، نعلمكم أعلمكم الله خيرا على أمر الجهاد في سبيل الله بعدما فرق الكفار الفرانساويون بين الأخوة، وفسقوا في أرضنا، واستحلوا حرماتنا، أرادكم الله وأعانكم، وللخير والجهاد وفقكم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
فتوكل الشيخ على المولى عز وجل، وخاض المعارك الطاحنة رفقة أتباعه ومريديه، والسبب المباشر في إعلان الجهاد من طرفه هو هذا الوازع العقائدي، بل أن الجحافل المنضوية تحت راية جهاده والتي تعد بالآلاف ماكان لها أن تكون لولا شدة اقتناعها بأنها تحارب قوات الكفر، وتحمل شعار الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق، وعلى وجه أخص أن الجميع متأكد بأن الزعيم الروحي ليس له من هدف يصيبه إلا الإيمان الراسخ، ثم أنه أثبت للملأ أنه لا يسعى إلى تكوين زعامة سياسية، وإنما كان تركيزه على أن يفهمه الجميع بأنه قائد روحي ثائر على الظلم والاضطهاد على شاكلة سليمان بن حمزة وبقية أبناء عمومته، يتزعم مجاهدين أوفياء كما كان يصفهم، يدافعون عن شرفهم ولا يسكتون أمام جبروت الظالم المستبد.
إنه بذلك هو رفاقه يعلنون كلمة الحق تمازجها لحظات النصر ، وفي الوقت ذاته يقيمون حلقات الذكر لقراءة القرءان الكريم حيثما حل بهم الظلام، وفي زاويتهم المتنقلة يستعيدون أورادهم وأدعيتهم الصوفية العميقة، مهللين ومكبرين ومسبحين على طريقتهم الإيمانية.
فعلى الرغم من عدم تمكنه من الثقافة العميقة إلا أنه استطاع مجاراة أحداث زمانه نتيجة دهائه السياسي وخبرته بالمنطقة ومجالسته لكبار العارفين من هذه القبائل المختلفة التي جمعته بها كلمة الجهاد، ثم إنه متمكن من الثقافة الشفوية التي عرف بها كبار القادة وعظماء الرجال .
راسل شيوخ القبائل وقادة الاحتلال الفرنسي برسائل تاريخية وعرض المشورة على ثلة من المقربين منه .
استقبل مبعوثي القادة العسكريين وأجابهم مشافهة وتارة عبر رسائل، وفي كل الحالات كان يلح على ترديد كلمته التاريخية الشهيرة: (يجب أن تخرجوا من أرضنا) رافضا الصلح بكل صوره، وكان يراه خيانة .
ومرت زاويته بعدة مراحل في حياته، ولكنها بدت إلى التطور شيئا فشيئا، فبعد أن أسسها في أمغرار وجدد الحصون حولها وبني جوانبها، خاض عدة معارك أهمها معركة تازينا 19-05-1881م والتي انتصر فيها المجاهدون انتصارا عظيما، وفتحت الطريق أمام الشيخ بوعمامة لينشر ثورته في مناطق عين الصفراء البيض، أفلو، فرندة، تيارت، سعيدة، بشار، وبعد هده الثورات اضطرت السلطات الفرنسية أن تجعل باستعادة جزء من قواتها العسكرية التي اشتركت في احتلال تونس.
وإرسال العقيد القائد (نقريي) من البيض إلى الأبيض سيدي الشيخ، الذي فكر في أن القضاء على ثورة أولاد سيدي الشيخ يستلزم تحطيم ضريح سيدي الشيخ، والزاوية بالأبيض .
وانتقلت الزاوية والطريقة الإيمانية إلى الخيم حيث الشيخ بوعمامة متنقل عبر التلال والفيافي، ثم أعاد بناءها في دلدول قرب تيميمون بأقصى الجنوب وتجمعت حوله القبائل وأعيان القصور والواحات.
لقد قام الشيخ بوعمامة بعدة معارك في ناحية جرارة وأماكنها معلومة إلى يومنا هذا، ومنها:
معركة حاسي الشيخ: يقع بين المنيعة ولحمر.
معركة حاسي علي : هناك مقبرة الشهداء بزاوية الدباغ إلى حد الآن .
ومن دلدول حيث فقد ابنه: المسمى السهلي بوعمامة انتقل إلى العرق، وأقام زاويته في مكان يسمى: اعريس سيدي بوعمامة.
ومن العرق انتقل إلى بني ونيف، حيث بني قبة جده الشيخ سيدي سليمان بن أبي سماحة البكري الصديقي وبني المسجد ومرافق الزاوية سنة 1891م الموافق لـ 1311هـ، ولما أنجز البناء أقام صدقة عظيمة ودعى إليها أهل بني ونيف والقصور القريبة منها، وفي ذلك يقول الأستاذ طواهرية عبد الله:
بن ضريحه المجاهد العتيد
أبو عمامة لجده السعيد
مشيدا ضريحه والمسجدا
حتى بدا في حلة مجددا
في ألف هجرة ثلاثمائة
وواحد ملازم لعشرة
ومن بني ونيف ذهب الشيخ رحمه الله إلى واد قير.
وفي سنة 1886م قدم الشيخ بوعمامة ورقة طلب الأمان من فرنسا حينما أشتد عليه الخناق من مختلف الجبهات، إلا أن الفرنسيين رفضوا طلبه،ولم تبرر التقارير العسكرية سبب الرفض ، والذي يكون مرده إلى عملية استدراج استراتيجي عسكري كانت تخفيه لتستعمله محالة قصف المواقع التي يستعملها الشيخ ، ولذلك بدأت تموه في اعتقادنا، وهو الأمر الذي تفطن إليه الشيخ بوعمامة بدليل أنه بعث رسالة ثانية يطلب فيها الأمان وجاءه الرد بتاريخ 08 ديسمر 1899م في رسالة تقول فيها السلطات العسكرية للعين الصفراء بأننا نقبل طلبك الأمان.
إلا أن الشيخ بوعمامة استغل هده الموافقة المبدئية سياسيا وكأنه يقول لهم : ها أنتم تعترفون بالانتفاضة المباركة التي أنهكتكم ودوختكم، وهنا يمكن نجاح الشيخ سياسي .
إن الانتصارات العديدة التي أحرزها على العدو خلال سنوات الجهاد صنعت منه رمزا بطوليا جعل السلطات توافق مكرهة على طلبه، إلا أن الشيخ رفض قبولهم لطلبه الأمان ورمى به جانبا وتوغل في أعماق الصحراء وبالضبط إلى دلدول، ليجدد قواه في الصمت الصوفي المطبق هناك، وكان يشرف على عمليات سريعة تداهم العدو في حصونه من حين إلى أخر .
نتائج مقاومة الشيخ بوعمامة:
تمثلت هذه النتائج فيما يلي:
1- كانت ثورة الشيخ بوعمامة تحديا كبيرا لسياسة الجمهورية الثالثة ,والتي كانت ترمي إلى إتمام عمليات الاحتلال الشامل للجزائر ,واستطاعت أن تعطل وتعرقل المشاريع الفرنسية في الجنوب الغربي.
2- تمثل ثورة الشيخ بوعمامة المرحلة النهائية من استراتيجية الزعامات الوطنية في مواجهة الاستعمار الفرنسي عن طريق المقاومات الشعبية التي تعتمد أساسا على العامل الديني في تعبئة الجزائريين لمقاومة الاحتلال.
3- تعتبر ثورة الشيخ بوعمامة من أعنف المقاومات الشعبية خلال القرن التاسع عشر بعد مقاومة الأمير عبد القادر.
4-كشفت ثورة بوعمامة ضعف الفرنسيين في مواجهة المقاومة مما جعلها تبحث عن الحلول السياسية لإخماد نار الثورة خصوصا مع المرحلة الثانية 1883 -1892 حين ظهرت قضية الأمان الذي كانت تبحث عنه السلطات الفرنسية من بوعمامة الذي رفضه من خلال المراسلات و المفاوضات التي كانت تسعى إليها فرنسا. 5- الخسائر البشرية والمادية هي الأخرى كانت من أبرز النتائج التي تمخضت عن الثورة 6- عجلت الثورة بإتمام مشاريع السكك الحديدية في المنطقة وربط الشمال بالجنوب. 7- إن مقاومة الشيخ بوعمامة حتى وإن لم تحقق أهدافها في طرد الاستعمار من المنطقة بسبب العقبات التي اعترضتها منها على وجه التحديد عدم التمكن من توحيد فرعي أولاد سيدي الشيخ وكذلك ضغوط السلطان المغربي عبد العزيز على الثورة وحصرها في الحدود ,إلا أنها أثبتت قدرتها على المقاومة وطول النفس وعرقلة التوسع في المنطقة .
بقلم ادريس بن محمد بن خويا بتصرف
وهو من بني عمومة سي سليمان بن حمزة زعيم الانتفاضة المسماة في التاريخ ثورة أولاد سدي الشيخ.
دخل بوعمامة التاريخ من بابه الواسع، واشتهر حتى بلغت شهرته الأصقاع والآفاق، مشرقا ومغربا؛ لأنه أشرف على انتفاضة كادت أن تعم الغرب الجزائري بأكمله، بل لأنه أدرك بالبديهة الصائبة والرأي الراجح الدور الذي يجب أن تلعبه الزوايا الروحية.
لشيخ بوعمامة هو محمد بن العربي بن الحرمة بن إبراهيم بن التاج بن عبد القادر بن محمد سيد الشيخ القطب بن سليمان بن سعيد بن أبي ليلة بن عيسى بن أبي يحي بن معمر الملقب أبو العالية بن سليمان بن سعيد بن عقيل بن حفص الملقب حرمة الله بن عساكر بن زيد بن حميد بن عيسى بن التادلي بن محمد الملقب السلي بن عيسى بن زيد بن الطفيل المدعو الزغاوي بن صفوان بن محمد بن عبد الرحمان بن سيدنا أبي بكر الصديق - رضي الله عنه-.
فهو من مواليد امغرار في حدود 1845م، حيث نشأ وترعرع في هذه المنطقة التي عرفت بالتوتر والغليان في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وانعدام مايسمى بالدولة إضافة إلى طغيان قطاع الطرق، خاصة وأن المنطقة حدودية، وهناك ما يسمى مخزن السلطان لا يتساهلون مع هذه القبائل، فهم يمارسون معها سياسة العصا الغليظة، وهي تشكل خطرا جاثما يهدد الأمن ويجعل المنطقة كلها على فوهة بركان سرعان ما يندلع في أي مكان وفي أي اتجاه.
وكان احتراف الوعي لا محيد عنه للشباب، قبل أن يشتد عودهم، فيمتهنون التجارة، وعن طريق القوافل يكونون همزة وصل بين الصحراء والتل الوهراني، إلا أن والده السي العربي بن الحرمة قرر أن يجعل ابنه ملازما للشيخ محمد بن عبد الرحمان أحد مقدمي الطريقة الشيخية، الذي تعلم على يديه بعض آي القرآن الكريم والحديث الشريف، وبعد ذلك بالنسبة لأهل لطريقة الأوراد، والأذكار ثم المبادئ العامة للتصوف والزهد في الحياة.
وتعلم الطريقة بما يؤهله لأن يكون شيخا مقدما، ومن هنا بات واضحا أن زاوية امغرار قد حُسم الأمر في شيخها ومقدمها من البداية لما عرف عن هذا الشاب من ورع وحكمة وسداد رأي ونفاذ بصيرة، وحسن تدبير تألقاً بجديه القطبين الصالحين سيدي الشيخ وسيدي سليمان بن أبي سماحة.
فها هو يكرس جانباً مهماً من حياته في طلب العلم والبحث في الأمور الفقهية المختلفة، إلا أن العصر بأكمله لم يكن ليزخر بحواضر متميزة للعلم والعلماء في هذه المنطقة من الجزائر بالضبط، فهي بؤرة توترات وحروب سواء تعلق الأمر بالغزو الفرنسي أم مخزون السلطان المغربي، المهم أن الشاب يكون قد ارتحل إلى المغرب ليتابع حلقات درس القرويين.
ويمكن أن نؤكد أن الرجل عصامي، نهل من المصادر المهمة التي وقعت بين يديه، فأخذ ما كان يجب أن يأخذ، فتثقف وتفقه واطلع على كثير من المعارف التي كان يرغب في الاطلاع عليها ككتب التصوف - على سبيل المثال.
فها هي وفود القبائل تعترف أما مقدم الطريقة بمشيخته سيداً جديداً للزاوية، وشيخاً روحياً لهذه الطريقة الصوفية البديعة المرتبطة به شخصياً، التي أطلق عليها اسماً. وفيما بعد صارت الوفود ترتاح إليه وهي الطريقة (الإيمانية)، ومن هنا تدخل اعتبارات عديدة في اختيار الشيخ الزاهد، أهمها: شرف نسبه، وسمعته الحسنة، ونبل خلقه وسيرته الورعة، ولطف تعامله مع الجميع. فعلى الرغم من ثقافته المتواضعة ودرجات التفقه غير المعمق مقارنة بمشائخ الطرق العريقة إلا أنه صاحب خبرة ومجالس ومعارف شفوية مهمة، مما جعل أهل الطريقة يزكونه لمشيخة الطريقة الصوفية، ويختارونه دون سواه، ومن هذه البداية برز تفوقه وذكاءه الخارقان، وذلك بعد أن اختار اسما للطريقة الشيخية متوخياً تغيير اسمها، تفادياً للصراع الذي قد ينشب مع بني عمومته، ولذلك كانت الطريقة الإيمانية مجرد اسم للشيخية حتى وإن بدل فيها بعض ما يمكن أن يبدل من أشياء طفيفة لا تمس جوهر الطريقة.
ولقد ركز الشيخ بوعمامة في بدايته على ربط الصلة الروحية بالقبائل، فجعل الأفئدة تتعلق بمنهجيته في الطريقة الإيمانية والتي رسمها بطابعه الورع وحياته الجهادية، ولعل العنصر الرئيسي في بصمات الشيخ هي المرتكز الجهادي الثائر على الأوضاع المزرية التي كانت تعيشها المنطقة، وأصبح من المؤكد لديه أن الوازع الديني وحده الكفيل بتغيير ما يسود من مآس، وماكاد يرتبط بالزاوية ومشيختها ويعلن عن أذكار وأوراد الطريقة الإيمانية حتى ارتبط بالسيدة ربيعة ابنة عمه، والتي أنجبت له نجله السي الطيب في عام 1870م، الذي أصبح رفيق حياته ومعاركه كلها.
لم تكن سلطات الاحتلال الفرنسي على جهل تام بما تحضره مشيخة الزاوية وزعيمها الروحي، الذي وصفته التقارير المختلفة بأنه مجرد رجل مهوس، بينما ذكرته تقارير أخرى بأنه رجل دين، صاحب طريق مرابط، يجمع أموال الزكاة لينفقها على أصحابه المجاذيب من مريدي الطريقة، والبعض وصفه بأنه مجرد مجنون مدروش.
وواصل الشيخ بوعمامة تحضيراته المادية والبشرية في سرية تامة، فاجتمع إليه شيوخ القبائل المجاورة للمنطقة، وشرع في مراسلة العديد من الذين اعتقد فيهم المؤازرة والمساندة، وقد أعطت قبيلة الشعانبة خير مثال على ذلك، كما أنه بعث وفوداً إلى أولاد سيد الشيخ الغرابة، ثم أولاد سيد الشيخ الشراقة.
وهذه أسماء بعض الرسل:
-مرزوق السروري: إلى قبائل الطرافي.
-الطيب بن الجرماني: إلى قبائل الأحرار الشراقة.
-بلقاسم ولد لزفران: إلى قبائل أولاد ازياد.
-العربي ولد الطيب أحمد: إلى قبائل الرزاينة.
لقد بعث الشيخ بوعمامة عدة رسائل إلى أعيان القبائل وتلا عليهم رسالة الجهاد مع توضيح الأسباب، وهذه الرسالة التي تلاها عليهم:
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله: جماعتنا المحروسة بعين الرضا قبيلة بعد قبيلة من غير تخصيص، نعلمكم أعلمكم الله خيرا على أمر الجهاد في سبيل الله بعدما فرق الكفار الفرانساويون بين الأخوة، وفسقوا في أرضنا، واستحلوا حرماتنا، أرادكم الله وأعانكم، وللخير والجهاد وفقكم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
فتوكل الشيخ على المولى عز وجل، وخاض المعارك الطاحنة رفقة أتباعه ومريديه، والسبب المباشر في إعلان الجهاد من طرفه هو هذا الوازع العقائدي، بل أن الجحافل المنضوية تحت راية جهاده والتي تعد بالآلاف ماكان لها أن تكون لولا شدة اقتناعها بأنها تحارب قوات الكفر، وتحمل شعار الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق، وعلى وجه أخص أن الجميع متأكد بأن الزعيم الروحي ليس له من هدف يصيبه إلا الإيمان الراسخ، ثم أنه أثبت للملأ أنه لا يسعى إلى تكوين زعامة سياسية، وإنما كان تركيزه على أن يفهمه الجميع بأنه قائد روحي ثائر على الظلم والاضطهاد على شاكلة سليمان بن حمزة وبقية أبناء عمومته، يتزعم مجاهدين أوفياء كما كان يصفهم، يدافعون عن شرفهم ولا يسكتون أمام جبروت الظالم المستبد.
إنه بذلك هو رفاقه يعلنون كلمة الحق تمازجها لحظات النصر ، وفي الوقت ذاته يقيمون حلقات الذكر لقراءة القرءان الكريم حيثما حل بهم الظلام، وفي زاويتهم المتنقلة يستعيدون أورادهم وأدعيتهم الصوفية العميقة، مهللين ومكبرين ومسبحين على طريقتهم الإيمانية.
فعلى الرغم من عدم تمكنه من الثقافة العميقة إلا أنه استطاع مجاراة أحداث زمانه نتيجة دهائه السياسي وخبرته بالمنطقة ومجالسته لكبار العارفين من هذه القبائل المختلفة التي جمعته بها كلمة الجهاد، ثم إنه متمكن من الثقافة الشفوية التي عرف بها كبار القادة وعظماء الرجال .
راسل شيوخ القبائل وقادة الاحتلال الفرنسي برسائل تاريخية وعرض المشورة على ثلة من المقربين منه .
استقبل مبعوثي القادة العسكريين وأجابهم مشافهة وتارة عبر رسائل، وفي كل الحالات كان يلح على ترديد كلمته التاريخية الشهيرة: (يجب أن تخرجوا من أرضنا) رافضا الصلح بكل صوره، وكان يراه خيانة .
ومرت زاويته بعدة مراحل في حياته، ولكنها بدت إلى التطور شيئا فشيئا، فبعد أن أسسها في أمغرار وجدد الحصون حولها وبني جوانبها، خاض عدة معارك أهمها معركة تازينا 19-05-1881م والتي انتصر فيها المجاهدون انتصارا عظيما، وفتحت الطريق أمام الشيخ بوعمامة لينشر ثورته في مناطق عين الصفراء البيض، أفلو، فرندة، تيارت، سعيدة، بشار، وبعد هده الثورات اضطرت السلطات الفرنسية أن تجعل باستعادة جزء من قواتها العسكرية التي اشتركت في احتلال تونس.
وإرسال العقيد القائد (نقريي) من البيض إلى الأبيض سيدي الشيخ، الذي فكر في أن القضاء على ثورة أولاد سيدي الشيخ يستلزم تحطيم ضريح سيدي الشيخ، والزاوية بالأبيض .
وانتقلت الزاوية والطريقة الإيمانية إلى الخيم حيث الشيخ بوعمامة متنقل عبر التلال والفيافي، ثم أعاد بناءها في دلدول قرب تيميمون بأقصى الجنوب وتجمعت حوله القبائل وأعيان القصور والواحات.
لقد قام الشيخ بوعمامة بعدة معارك في ناحية جرارة وأماكنها معلومة إلى يومنا هذا، ومنها:
معركة حاسي الشيخ: يقع بين المنيعة ولحمر.
معركة حاسي علي : هناك مقبرة الشهداء بزاوية الدباغ إلى حد الآن .
ومن دلدول حيث فقد ابنه: المسمى السهلي بوعمامة انتقل إلى العرق، وأقام زاويته في مكان يسمى: اعريس سيدي بوعمامة.
ومن العرق انتقل إلى بني ونيف، حيث بني قبة جده الشيخ سيدي سليمان بن أبي سماحة البكري الصديقي وبني المسجد ومرافق الزاوية سنة 1891م الموافق لـ 1311هـ، ولما أنجز البناء أقام صدقة عظيمة ودعى إليها أهل بني ونيف والقصور القريبة منها، وفي ذلك يقول الأستاذ طواهرية عبد الله:
بن ضريحه المجاهد العتيد
أبو عمامة لجده السعيد
مشيدا ضريحه والمسجدا
حتى بدا في حلة مجددا
في ألف هجرة ثلاثمائة
وواحد ملازم لعشرة
ومن بني ونيف ذهب الشيخ رحمه الله إلى واد قير.
وفي سنة 1886م قدم الشيخ بوعمامة ورقة طلب الأمان من فرنسا حينما أشتد عليه الخناق من مختلف الجبهات، إلا أن الفرنسيين رفضوا طلبه،ولم تبرر التقارير العسكرية سبب الرفض ، والذي يكون مرده إلى عملية استدراج استراتيجي عسكري كانت تخفيه لتستعمله محالة قصف المواقع التي يستعملها الشيخ ، ولذلك بدأت تموه في اعتقادنا، وهو الأمر الذي تفطن إليه الشيخ بوعمامة بدليل أنه بعث رسالة ثانية يطلب فيها الأمان وجاءه الرد بتاريخ 08 ديسمر 1899م في رسالة تقول فيها السلطات العسكرية للعين الصفراء بأننا نقبل طلبك الأمان.
إلا أن الشيخ بوعمامة استغل هده الموافقة المبدئية سياسيا وكأنه يقول لهم : ها أنتم تعترفون بالانتفاضة المباركة التي أنهكتكم ودوختكم، وهنا يمكن نجاح الشيخ سياسي .
إن الانتصارات العديدة التي أحرزها على العدو خلال سنوات الجهاد صنعت منه رمزا بطوليا جعل السلطات توافق مكرهة على طلبه، إلا أن الشيخ رفض قبولهم لطلبه الأمان ورمى به جانبا وتوغل في أعماق الصحراء وبالضبط إلى دلدول، ليجدد قواه في الصمت الصوفي المطبق هناك، وكان يشرف على عمليات سريعة تداهم العدو في حصونه من حين إلى أخر .
نتائج مقاومة الشيخ بوعمامة:
تمثلت هذه النتائج فيما يلي:
1- كانت ثورة الشيخ بوعمامة تحديا كبيرا لسياسة الجمهورية الثالثة ,والتي كانت ترمي إلى إتمام عمليات الاحتلال الشامل للجزائر ,واستطاعت أن تعطل وتعرقل المشاريع الفرنسية في الجنوب الغربي.
2- تمثل ثورة الشيخ بوعمامة المرحلة النهائية من استراتيجية الزعامات الوطنية في مواجهة الاستعمار الفرنسي عن طريق المقاومات الشعبية التي تعتمد أساسا على العامل الديني في تعبئة الجزائريين لمقاومة الاحتلال.
3- تعتبر ثورة الشيخ بوعمامة من أعنف المقاومات الشعبية خلال القرن التاسع عشر بعد مقاومة الأمير عبد القادر.
4-كشفت ثورة بوعمامة ضعف الفرنسيين في مواجهة المقاومة مما جعلها تبحث عن الحلول السياسية لإخماد نار الثورة خصوصا مع المرحلة الثانية 1883 -1892 حين ظهرت قضية الأمان الذي كانت تبحث عنه السلطات الفرنسية من بوعمامة الذي رفضه من خلال المراسلات و المفاوضات التي كانت تسعى إليها فرنسا. 5- الخسائر البشرية والمادية هي الأخرى كانت من أبرز النتائج التي تمخضت عن الثورة 6- عجلت الثورة بإتمام مشاريع السكك الحديدية في المنطقة وربط الشمال بالجنوب. 7- إن مقاومة الشيخ بوعمامة حتى وإن لم تحقق أهدافها في طرد الاستعمار من المنطقة بسبب العقبات التي اعترضتها منها على وجه التحديد عدم التمكن من توحيد فرعي أولاد سيدي الشيخ وكذلك ضغوط السلطان المغربي عبد العزيز على الثورة وحصرها في الحدود ,إلا أنها أثبتت قدرتها على المقاومة وطول النفس وعرقلة التوسع في المنطقة .
بقلم ادريس بن محمد بن خويا بتصرف
- زائرزائر
رد: امتداد مقاومة الشيخ بوعمامة في الجنوب الغربي
الثلاثاء يناير 13, 2009 10:35 pm
شكرا الاستاد التواتى على الموضوع المهم الذى يساهم فى اثراء تاربخ الجزائر وتاريخ المنطقة الغربية الجنوبية من الجزائر كما يساهم فى تاريخ ولاية ادرار ومنطقة قورارة و تنركوك .
مكووووووور و نحن ننتظر المزيد
مكووووووور و نحن ننتظر المزيد
رد: امتداد مقاومة الشيخ بوعمامة في الجنوب الغربي
السبت يناير 17, 2009 9:00 am
موضوع مفيد لجميع الطلبة .اشكر الاخ التواتى على
هذه المساهمة القييمة
هذه المساهمة القييمة
- زائرزائر
رد: امتداد مقاومة الشيخ بوعمامة في الجنوب الغربي
الجمعة يناير 23, 2009 2:51 pm
ان مقاومة الشيخ سيدى بوعمامة لم تقتصر على منطقة البيض بل وصلت الى معظم المناطق ا
الغربية الجنوبية مرورا بمنطقة تنركوك و عين حمو بضبط و واصل الجهاد عندما استقر بمنطقة دلدول دائرة اوقروت
الغربية الجنوبية مرورا بمنطقة تنركوك و عين حمو بضبط و واصل الجهاد عندما استقر بمنطقة دلدول دائرة اوقروت
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى