الإصلاحات والمشاريع السياسية الفرنسية بين 1919و1939
الخميس مايو 07, 2009 10:12 pm
1- مقدمة
إنّ عقد العشرينات في الجزائر كان زاخرا بالأحداث السياسية إذ كان لنتائج الحرب العالمية الثانية تأثير واضحا على المشهد السياسي الجزائري ، فمن جهة برز الوعي السياسي لدى الجزائريين و تجسّد في ميلاد الأحزاب الوطنية المختلفة الاتجاهات ، ومن جهة أخرى نجد فرنسا تسعى جاهدة لإبقاء مستعمرتها (الجزائر ) هادئة من خلال و عود الإصلاحات و التضييق على نشاط الحركة الوطنية ، وعموما ظهرت خلال هذه المرحلة عدّة مشاريع سياسية و إجراءات كان لها وقعها على مسار الحركة الوطنية بين الحربين، إذ حاولت فرنسا بعد نهاية الحرب الكونية الثانية أن تحتفظ بسياستها الاستعمارية في الجزائر من خلال تجديد قانون الأهالي و الادعاء أنّ الحركة الوطنية الجزائرية بمختلف تياراتها موجّهة من الخارج و حتى تحول دون قيام و رد فعل قوي من طرف الجزائريين عمدت إلى جملة من المشاريع السياسية بدعوى إصلاح أوضاع الجزائريين و أهمها
2- الإصلاحات
أ-إصلاحات 1919:
وهي محاولة لذر الرماد في العيون إذ أعلنت السلطات الفرنسية عن جملة من الإجراءات السياسية ، كتمثيل الجزائريين في البرلمان الفرنسي لكن بنسب ضئيلة و بشروط لا تتوفر إلاّ في النخبة الموالية لفرنسا، و جاءت إصلاحات 1919 مناقضة للقانون الفرنسي ،إذ قيدت هجرة الجزائريين إلى فرنسا رغم اعتبارهم فرنسيين، ووقّع قرار الإصلاحات رئيس الحكومة الفرنسية جورج كليمانصو يوم 6/2/1919.
ب- منشور ميشال :
كان ميشال يشغل وظيفة الكاتب العام لولاية الجزائر وقد وقع منشورين سنة 1933 ضدّ نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وضمّ المنشوران تعليمات موجّهة إلى رجال الأمن و الإدارة الفرنسية لمراقبة نشاط العلماء و تضييق الخناق عليهم ،و تضمّن المنشور ادعاءات باطلة مثل تذمر الجزائريين من نشاط العلماء و ارتباطهم بالحركة الوهابية ، وطلب ميشال من معا ونية أن يشددوا رقابتهم على اجتماعات العلماء و تحركات عبد الحميد بن باديس و البشير الإبراهيمي.
ج- قرار رينيه:
رينيه وزير الداخلية الفرنسي قام بزيارة إلى الجزائر في مارس 1935 لمعاينه الأوضاع عن قرب ، وبعد استماعه إلى آراء الكولون في الجزائر أصدر في 30 مارس قراره المشهور و الذي رفض من خلاله إجراء إصلاحات عميقة في الجزائر ، بل على العكس جاء للتهديد باستعمال القوة ضد المشاغبين من الجزائريين ،و المواد الثلاثة للقرار كلها تهديد ووعيد بمعاقبة من شارك في المظاهرات أو يقوم بمقاومة ضد الإجراءات و القوانين الفرنسية.
د- مشروع فيوليت:
نسبة إلى موريس فيوليت الذي كان حاكما عاما على الجزائر خلال العشرينات،وأصبح عضوا في مجلس الشيوخ و قيادي في الحزب الاشتراكي الفرنسي و نظرا لخبرته بالشؤون الجزائرية قدّم مشروع عرف بمشروع فيوليت ، يتكون من ثمانية فصول و خمسين مادة يتضمن إصلاحات دستورية بإعطاء حقوق متساوية بين الفرنسيين و الجزائريين، وإصلاح التعليم، و إصلاحات زراعية، إلغاء المحاكم الخاصة، إنشاء وزارة الشؤون إفريقيا، ونشر المشروع في وسائل الإعلام و نوقش من طرف الطبقة السياسية ، وقدم إلى البرلمان الفرنسي لمناقشتة ،و لتوضيح مشروعه أكثر نشر فيوليت كتابا تحت عنوان "هل تعيش الجزائر" شرح فيه نظرته إلى إصلاح الأوضاع في الجزائر الفرنسية ، لكن إصرار الكولون على رفض كل إصلاح جعل البرلمان الفرنسي يرفض هذا المشروع ،و الذي فتح الباب لتقديم مشاريع أخرى من طرف النواب الفرنسيين مثل مشروع فيرنوت، و مشروع كوطولي (نائب قسنطينة)،و مشروع دوروكس (نائب الجزائر).
و- وعود حكومة الجبهة الشعبية :
كانت سنة 1936 مميّزة في مسار الجزائر السياسي، فإلى جانب انعقاد المؤتمر الإسلامي كان وصول الجبهة الشعبية للحكم في فرنسا حدثا بارزا لما يحمله الاشتراكيون من وعود فالجزائريون قد عقدوا أملا على الجبهة الشعبية باستثناء العلماء الذين تحفظوا على هذا الأمر فإن أغلب التيارات السياسة باركت وصول اليسار إلى الحكومة .
أما الجبهة الشعبية المشكّلة من الأحزاب اليسارية فأعادت طرح مشروع فيوليت، و تبنّاه رئيس الوزراء الفرنسي فصار يدعى بمشروع بلوم فيوليت ، خاصة بعدما أصبح موريس فيوليت صاحب المشروع وزير دولة مكلف بشؤون الجزائر والذي حاول إدماج الجزائر في فرنسا عن طريق دمج النخبة الجزائرية في المجتمع الفرنسي في حين يبقى الأهالي و هم الأغلبية رعايا فرنسيين عليهم واجبات التجنيد و دفع الضرائب وما إلى ذلك . ولقي المشروع كغيره من المشاريع السابقة معارضة المعمرّين حيث قدم 300 رئيس بلدية استقالتهم في جانفي 1937 احتجاجا على هذا المشروع ، ولذلك تراجعت حكومة الجبهة الشعبية عن وعودها و خابت آمال الجزائريين في تجمع الاشتراكيين
3- الإجراءات القمعية ضد الأحزاب الوطنية
خلال العشرينات و الثلاثينات سعت فرنسا جاهدة إلى المحافظة على الجزائر كمستعمرة هادئة من خلال حملة من الإجراءات السياسية فإلى جانب سياسة الإصلاحات المزعومة مارست سياسة التهديد و القمع و اتخذت عدة إجراءات قاسية ضد الأحزاب الوطنية ، ولعل حركة الأمير خالد كانت أول ضحايا هذه الإجراءات ،إذ نفي الأمير خالد سنة 1923 إلى خارج الجزائر وتم التضييق على نشاطات حركته، كما تعرّض نجم شمال إفريقيا إلى مضايقات كثيرة بسبب نشاطه السياسي المكثف و مطالبه الوطنية ، وكان أخرها حلّ النجم سنة 1937، أمّا جمعية العلماء فعرفت هي الأخرى مراقبة مستمرة لنشاطاتها و تحرك قادتها مثل عبد الحميد بن باديس و البشير الإبراهيمي ، وأكثر من ذلك سعت الإدارة الفرنسية إلى إنشاء جمعية موازية موالية لها و هي "جمعية علماء السنة" سنة 1932 ، واقفت صحف الجمعية مثل السنة، الشريعة، الصراط، و أغلقت العديد من المدارس في عدة مدن و غرّمت المدرسيين.
و ختمت سياستها القمعية بين الحربين بإصدار قانون جديد في 28 أوت 1939 (قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية ) و الذي يسمح للإدارة الفرنسية بحق مراقبة جميع المطبوعات و منعها من الصدور إن شاءت
4- السياسة التعليمية
حددت السلطات الفرنسية المستوى التعليمي الذي يجب لا يتجاوزه الطفل الجزائري في تعلمه وتكوينه ,وعاملت الجزائريين في تعليمهم على أنهم ناقصي عقل وغير قابلين لفهم حضارتها وكما طبقت ميدانيا سياسة التمييز العنصري بتقسيم المدارس إلى اوربية وأهلية ,
لم يعرف التعليم الفرنسي إنتشارا بين الجزائريين إلا بعد الحرب العالمية الاولى , ففي العشرينات بدأت تتبلور فكرة تعليم عربي حر ,بعد أن انحصر التعليم التقليدي في الزوايا وبعض الكتاتيب القرانية ,فقد باشرت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى الاهتمام بالتعليم الحر الذي أصبح يضاهي التعليم في المدارس الفرنسية بمدارسه المبنية على طراز عصري ,واشتهرت بعض المدارس في البلاد مثل مدرسة التربية والتعليم بقسنطينة ومدرسة الشبيبة بالعاصمة ومدرسة الحديث بتلمسان .
لذلك لم تتوقف الإدارة الفرنسية عن معارضة التعليم العربي الحر وعرقلته بإصدار جملة من القرارات والقوانين وأشهرها القانون الذي أصدره وزير الداخلية الفرنسي شوطان في مارس 1938 والذي يمنع تعليم اللغة العربية في المدارس والمساجد وغيرها على أساس أن اللغة العربية لغة اجنبية ,هذا القرار أثار ردود فعل واسعة من طرف الأحزاب الوطنية كجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وحزب الشعب الجزائري
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى