- بهيةعضو بارز
- الجنس :
عدد الرسائل : 1138
العمر : 52
مقر الإقامة : وسط المدينة تينركوك ولاية ادرار الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
تاريخ التسجيل : 21/11/2008
التقييم : 69
نقاط : 2069
ورقلة سيدي بوغوفالة وسكرة والزياينة بورقلة
الجمعة مارس 20, 2009 4:53 pm
[السكان يعانون في صمت بعلم المسؤولين وجفاء المنتخبين
تشكّل أحياء بوغوفالة الغربي، وسكرة، والزياينة حزاما عمرانيا ''يحاصر'' عاصمة ورفلة من الغرب والجنوب، ويلخص كل مظاهر فوضى العمران، والفقر والبؤس، وغياب اهتمام الدولة، الذي تعكسه حال الشوارع والطرقات المتصدعة، وانعدام التهيئة والإنارة، وتصدع الموجود من شبكات التطهير، وكثـرة البرك العفنة والقمامة في كل مفصل، وكأن المنطقة ''خارج مجال التغطية''.
تشكل الأحياء التي تشترك في الوصاية عليها بلديتا ورفلة والرويسات مجتمعة ثقلا سكانيا كبيرا يتجاوز تعداده إجمالي سكان عدة بلديات مجتمعة، مثل سيدي خويلد وعين البيضاء وحاسي بن عبد الله، ولكنها تكاد مذ وجدت تكون مصنّفة في خانة ''الكتلة المهملة'' في سلم اهتمامات المسؤولين الذين تعاقبوا على البلديتين، والذين ظلت بالنسبة لهم، أشبه ما تكون بـ''الربيب'' أو الابن غير الشرعي، ما جعلها مع الوقت وسنوات التهميش والإهمال، تتراكم فيها النقائص، وتطبعها الفوضى في كل شيء، بدءا من الإنسان ووصولا إلى العمران.
نسيج عمراني هش وفوضوي
عرفت هذه الأحياء، وخاصة منها حي سكرة، في وقت قياسي، توسعا كبيرا في الإطار المبني، طبعته السرعة والفوضى. وتفسير ذلك برأي العارفين للماضي والحاضر، هو أن الفضاء الذي تشكلت فيه، كان أرضا بيضاء مهملة، توافد إليها الناس من كل منطقة هروبا من العزلة والفاقة وطلبا للرزق، تماما كما يحدث في محيط أي مدينة كبرى، ووضعوا عليها اليد ثم تملكوها وباعوا واشتروا فيها بموازاة القانون، إلى أن تشكلت مدينة مرادفة لمدينة ورفلة، وتتميز عنها بكونها غير شرعية وغير مهيأة وخارج دائرة كل التصورات العمرانية ومخططات شغل الأرض، إلى درجة بات فيها من المستحيل إحداث تنظيم للشوارع والطرقات فيها دون التعرض بالهدم الكلي أو الجزئي للعشرات منها. وهو أمر يعتبر خطا احمر بالنسبة للسكان الذين درجوا على التعايش مع هذا الوضع، كما هو؛ حيث استطاعوا مع الوقت استحداث ''نظام'' خاص بهم، يتمظهر على الأقل، في تسميات الأحياء الفرعية، التي ترتبط بأصل وأسماء ساكنيها، مثل الطيبات، وتبسة، والنوايل، والدوي، والطلبة وغيرها. وقد تحوّلت المنطقة مع الوقت إلى نسيج زاحف من البناءات الفوضوية والهشة التي تتهدّد ساكنيها بالانهيار في أي وقت، وخاصة مع سقوط الأمطار، والتي تغيب فيها وفي محيطها كل مقومات النظافة والصحة، خاصة وأنها تختلط مع زرائب الحيوانات، وحظائر الخردوات وصناعة الطوب ومواد البناء المختلفة، ومستودعات التخزين ومراقد العمال، وورشات الحرفيين المزعجة والملوثة.
كل مظاهر التهيئة غائبة
بدأت مؤشرات اهتمام الولاية بتهيئة هذه الأحياء، وخاصة حي سكرة منتصف التسعينيات، وكانت رغبة الوالي وقتذاك، وهو جاهل بالتفاصيل، توسيع الشوارع وتهيئة وتزفيت الطرقات، ومد شبكة الإنارة العامة، وإحداث شيء من التنظيم في النسيج العمراني؛ ولكن كل تلك الرغبات غير المدروسة سرعان ما اصطدمت بتعقيدات فوضى الأشياء التي تطبع أغلب مفاصل هذه الأحياء، التي كانت عملية إنشاء المساكن الفوضوية فيها والتي عادة ما تتم ليلا، تفوق في سرعتها وتيرة تفكير الإدارة بما يطبعها من ثقل وتعقيد في الإجراءات، فكانت النتيجة، استسلام ''الدولة'' للأمر الواقع وتعثّر كل محاولاتها الرامية إلى تطويق تلك الفوضى الزاحفة، حيث بدت بعض عمليات التهيئة التي تمت، باهتة أمام حال التدهور الشائع في كل شيء، فاستمر المكان في الغرق في الحرمان وفي اجترار كل مظاهر التخلف. فلاشبكة الإنارة العامة اتسعت، ولا الطرقات وسّعت أو تم تزفيتها، ولا الأرصفة تمت تهيئتها كما حدث في باقي الأحياء، بل على العكس من كل ذلك اتجهت الأمور نحو التدهور أكثر، وأصبح عمق تلك الأحياء المظلمة موحشا، ينغمس في الظلام مع حلول كل مساء، و''تستعمره'' عصابات الليل، المتمرسة في كل أصناف وأشكال الجريمة التي تبدأ بالتهريب وسرقة وتفكيك السيارات، وإيواء المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، وتمتد إلى تزوير العملة والشعوذة والدعارة.
حفر تقليدية بدل شبكات التطهير
إلى حد الآن، وفي نسيج عمراني يعتبر امتدادا لمدينة عاصمة الولاية، ما تزال مئات العائلات في هذه الأحياء، كما في غيرها من باقي الجيوب المنسية تنمويا، تعتمد على الحفر أو الآبار التقليدية في تصريف فضلاتها ومياهها المستعملة، مع ما يلازم ذلك من تدهور الإطار المعيشة وتكاثر للحشرات المؤذية والناقلة للأمراض، وروائح لا تطاق، تزداد حدة مع فيضان تلك الحفر، أو عند القيام بعمليات تفريغها الدورية التي عادة ما يقوم بها أناس بوسائل تقليدية تتمثل في براميل محمولة على عربات تجرها الأحمرة، التي تعبر الأزقة الضيقة والشوارع بخطوات ثقيلة، محملة بتلك القاذورات، وكأنها تريد أن تؤذي بما تبعثه من روائح نتنة أكبر عدد ممكن من الناس.
وحتى المحاور التي وصلتها الشبكات أيام ''البريكولاج''، فهي لا تكاد تتخلّص من البرك الناجمة عن كثرة التسربات بسبب تصدع وانسداد القنوات، حتى تظهر أخرى مماثلة أو أكثر سوءا في موقع آخر قريب، وكأن سكانها يتبادلون الأدوار في تحمل أذى الأوساخ والحشرات والروائح الكريهة.
وقد جاءت الأمطار الغزيرة التي تهاطلت على المنطقة الشهر الماضي لتعري كل عيوب الشبكات في هذه الأحياء، وتكشف للجميع حجم المعاناة التي يتحملها سكان هذه الأحياء في صمت، وبعلم المسؤولين، وبجفاء المنتخبين الذين يديرون ظهورهم لهؤلاء المساكين بعد كل عرس انتخابي؛ حيث وجدت عشرات العائلات نفسها محاصرة بالأوحال والمياه الزائدة التي هددت البنيان والإنسان، واحتاجت معالجة بعض من آثارها إلى خروج المتضررين إلى الشارع لحمل المسؤولين على الالتفات إلى معاناتهم.
النفايات من كل صنف تحاصر السكان
من كل جهة
يعتبر الشارع الفاصل بين حيي بوغوفالة وسكرة، منطقة التّماس بين بلديتي عاصمة الولاية والرويسات، وكون المكان منطقة ''حدود'' جعله، حسب ساكنيه، غير محسوب من الطرفين في عملية النظافة، ورفع القمامة رغم ما يرمى فيه من كميات هائلة من الأوساخ والنفايات الصلبة والحديدية من كل صنف، بحكم كون جانبيه يجمعان بين السكان ومحلات الأنشطة المختلفة كالميكانيك وإصلاح هياكل السيارات، وورشات حرف وأنشطة أخرى مزعجة وملوثة مختلفة، وتكاد الصورة ذاتها تنطبق على حيي سكرة والزياينة اللذين تحاصرهما القمامة من كل جانب، بعد أن تحوّلت أطرافهما إلى شبه مفرغات فوضوية تراكمت فيها النفايات خلال سنوات متلاحقة، دون أن تتحرك أية جهة مسؤولة في اتجاه إنهاء ذلك الوضع.
أما داخل النسيج العمراني، فيتراوح تفسير ما يسجل من تراكم للقمامات في كل مفصل، بين عدم وصول شاحنات النظافة التابعة للبلدية إلى هذه الأماكن؛ وهو ما يؤكد برأي المتضررين من الوضع، درجة الإقصاء والمعاملة التمييزية في كل شيء، التي تتعرض لها أحياؤهم، وبين عدم تمكن وسائل البلدية أصلا من الوصول إلى كل تلك المناطق، حسب تحليل مصالح البلدية، بسبب ضيق أزقتها، والرمي الفوضوي للفضلات من طرف السكان، مع إضافة ملاحظة محتواها أن هذه الأحياء يصعب تصنيفها، إن هي مناطق سكن، أم مناطق نشاط صناعي وحرفي، أم مناطق ريفية تحتوى على غابات من النخيل وزرائب لتربية الماعز والأغنام وحتى الإبل، ناهيك عن الأحمرة التي تعتبر من ''وسائل العمل''، وحال ''سوق الرحمة'' التي تتوسط حي سكرة وتعرض فيها اللحوم ومختلف الخضر والفواكه والمواد الغذائية، في محيط مزبلة بحجم تل، كما يظهر في الصورة، تعكس حال الفوضى والظروف غير الصحية بالمرة التي يتعايش معها سكان هذه الأحياء.
48 ولاية وست دول
ارتبط كثير من الجرائم والأفعال المشينة وبكثير من المبالغة في بعض الأحيان بهذه الأحياء، فهي أحياء بحجم مدينة تقاطع فيها الغرباء وتعايشوا، وفقد معطى الهوية والانتساب كثيرا من معانيه في هذا الوضع؛ وفي هذا قال لنا احد قدماء سكان حي سكرة، ''إن هذا المحور مترامي الأطراف يجمع أناسا من ثمان وأربعين ولاية، يضاف إليهم أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين والمقيمين من الرعايا الأفارقة، كلهم دون وثائق هوية، من ست بلدان افريقية على الأقل''، سمى لنا منها النيجر ومالي ونيجيريا والبينين، وغينيا، وهي ملاحظة تنسجم تماما مع تقارير مصالح الأمن والدرك الخاصة بمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية. ولذلك يقول صاحبنا، كثرت الجريمة والممارسات الخارجة عن القانون في هذه الفوضى الشائعة، وأصبح ذكرها يعني السرقات والتهريب وتجارة المخدرات، وسرقة وتفكيك السيارات، والسطو على المنازل، والاعتداءات والسلب، وتزوير العملة، والدعارة والشعوذة... وهي أمور يسهل التأكد منها من خلال محاضر وتقارير جهازي الدرك والأمن، وتجد تفسيرها في فتح أمن حضري وفرقة متنقلة للشرطة القضائية، إلى جانب فرقة اقليمية للدرك الوطني يدعم نشاطها عادة بحملات مسح ومداهمات فجائية بالكلاب المدربة ليلا لمحاولة احتواء الوضع وبعث رسائل مطمئنة لمئات العائلات الشريفة والآمنة التي كثيرا ما اشتكت من هذا الوضع، ومن آثاره المادية والمعنوية عليها.
الإحساس بالغبن والمعاملة التمييزية جذّر التطرف أكثـر
يشعر شباب هذه الأحياء التي تشكل أطراف مدينتي ورفلة والرويسات بأنهم وأهاليهم يعاملون معاملة تمييزية فيها كثير من التهميش والإجحاف من طرف المسؤولين.
وتجذرت في نفوسهم مع الوقت قناعات سلبية خطيرة، محتواها انه حتى على المستوى الرسمي ينظر إليهم نظرة مختلفة، وبأنهم غير مرغوب فيهم.
ويؤسس متحدثون من هؤلاء الشباب الناقمين على هذا الوضع، انطباعهم هذا على ما يعانونه من صعوبة وإقصاء حتى في الحصول على شهادة إقامة تسمح لهم بمزاحمة الآخرين في الانتفاع من خيرات الدولة في الحصول على والسكن والعمل وغيرهما، أو الاستفادة من دعم أو عقار فلاحي أو مساعدة اجتماعية، وحتى قفة رمضان ومنح التمدرس وباقي المساعدات الخيرية والتضامنية، ظلت وتبقى تحكمها، حسبهم، معطيات تمييزية.
كما يسوق آخرون من الزياينة وسيدي بوغوفالة أمثلة بالجملة عن مظاهر الحرمان والتمييز التي يعانون منها في كل شيء؛ فطرقهم ترابية ومدارسهم مهترئة وبيوتهم متصدعة وشوارعهم مظلمة، والماء لا يصل، والنقل قليل، وشبابهم يقتله الفراغ والضياع وتتلقفه الانحرافات والجريمة، في ظل غياب أي مرفق أو مرافقة تحتويهم وتفتح لهم آفاقا لولوج العصرنة وترقية مداركهم.
وهي أوجه من المعاناة والإحساس بالغبن تلعب كثيرا على معنويات الشباب، وتنمي في نفوسهم إحساسا متجذرا بالإهمال المقصود لهم، وتدفع بالضعاف منهم نحو هاوية التطرف بكل أبعاده ومعانيه.
تشكّل أحياء بوغوفالة الغربي، وسكرة، والزياينة حزاما عمرانيا ''يحاصر'' عاصمة ورفلة من الغرب والجنوب، ويلخص كل مظاهر فوضى العمران، والفقر والبؤس، وغياب اهتمام الدولة، الذي تعكسه حال الشوارع والطرقات المتصدعة، وانعدام التهيئة والإنارة، وتصدع الموجود من شبكات التطهير، وكثـرة البرك العفنة والقمامة في كل مفصل، وكأن المنطقة ''خارج مجال التغطية''.
تشكل الأحياء التي تشترك في الوصاية عليها بلديتا ورفلة والرويسات مجتمعة ثقلا سكانيا كبيرا يتجاوز تعداده إجمالي سكان عدة بلديات مجتمعة، مثل سيدي خويلد وعين البيضاء وحاسي بن عبد الله، ولكنها تكاد مذ وجدت تكون مصنّفة في خانة ''الكتلة المهملة'' في سلم اهتمامات المسؤولين الذين تعاقبوا على البلديتين، والذين ظلت بالنسبة لهم، أشبه ما تكون بـ''الربيب'' أو الابن غير الشرعي، ما جعلها مع الوقت وسنوات التهميش والإهمال، تتراكم فيها النقائص، وتطبعها الفوضى في كل شيء، بدءا من الإنسان ووصولا إلى العمران.
نسيج عمراني هش وفوضوي
عرفت هذه الأحياء، وخاصة منها حي سكرة، في وقت قياسي، توسعا كبيرا في الإطار المبني، طبعته السرعة والفوضى. وتفسير ذلك برأي العارفين للماضي والحاضر، هو أن الفضاء الذي تشكلت فيه، كان أرضا بيضاء مهملة، توافد إليها الناس من كل منطقة هروبا من العزلة والفاقة وطلبا للرزق، تماما كما يحدث في محيط أي مدينة كبرى، ووضعوا عليها اليد ثم تملكوها وباعوا واشتروا فيها بموازاة القانون، إلى أن تشكلت مدينة مرادفة لمدينة ورفلة، وتتميز عنها بكونها غير شرعية وغير مهيأة وخارج دائرة كل التصورات العمرانية ومخططات شغل الأرض، إلى درجة بات فيها من المستحيل إحداث تنظيم للشوارع والطرقات فيها دون التعرض بالهدم الكلي أو الجزئي للعشرات منها. وهو أمر يعتبر خطا احمر بالنسبة للسكان الذين درجوا على التعايش مع هذا الوضع، كما هو؛ حيث استطاعوا مع الوقت استحداث ''نظام'' خاص بهم، يتمظهر على الأقل، في تسميات الأحياء الفرعية، التي ترتبط بأصل وأسماء ساكنيها، مثل الطيبات، وتبسة، والنوايل، والدوي، والطلبة وغيرها. وقد تحوّلت المنطقة مع الوقت إلى نسيج زاحف من البناءات الفوضوية والهشة التي تتهدّد ساكنيها بالانهيار في أي وقت، وخاصة مع سقوط الأمطار، والتي تغيب فيها وفي محيطها كل مقومات النظافة والصحة، خاصة وأنها تختلط مع زرائب الحيوانات، وحظائر الخردوات وصناعة الطوب ومواد البناء المختلفة، ومستودعات التخزين ومراقد العمال، وورشات الحرفيين المزعجة والملوثة.
كل مظاهر التهيئة غائبة
بدأت مؤشرات اهتمام الولاية بتهيئة هذه الأحياء، وخاصة حي سكرة منتصف التسعينيات، وكانت رغبة الوالي وقتذاك، وهو جاهل بالتفاصيل، توسيع الشوارع وتهيئة وتزفيت الطرقات، ومد شبكة الإنارة العامة، وإحداث شيء من التنظيم في النسيج العمراني؛ ولكن كل تلك الرغبات غير المدروسة سرعان ما اصطدمت بتعقيدات فوضى الأشياء التي تطبع أغلب مفاصل هذه الأحياء، التي كانت عملية إنشاء المساكن الفوضوية فيها والتي عادة ما تتم ليلا، تفوق في سرعتها وتيرة تفكير الإدارة بما يطبعها من ثقل وتعقيد في الإجراءات، فكانت النتيجة، استسلام ''الدولة'' للأمر الواقع وتعثّر كل محاولاتها الرامية إلى تطويق تلك الفوضى الزاحفة، حيث بدت بعض عمليات التهيئة التي تمت، باهتة أمام حال التدهور الشائع في كل شيء، فاستمر المكان في الغرق في الحرمان وفي اجترار كل مظاهر التخلف. فلاشبكة الإنارة العامة اتسعت، ولا الطرقات وسّعت أو تم تزفيتها، ولا الأرصفة تمت تهيئتها كما حدث في باقي الأحياء، بل على العكس من كل ذلك اتجهت الأمور نحو التدهور أكثر، وأصبح عمق تلك الأحياء المظلمة موحشا، ينغمس في الظلام مع حلول كل مساء، و''تستعمره'' عصابات الليل، المتمرسة في كل أصناف وأشكال الجريمة التي تبدأ بالتهريب وسرقة وتفكيك السيارات، وإيواء المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، وتمتد إلى تزوير العملة والشعوذة والدعارة.
حفر تقليدية بدل شبكات التطهير
إلى حد الآن، وفي نسيج عمراني يعتبر امتدادا لمدينة عاصمة الولاية، ما تزال مئات العائلات في هذه الأحياء، كما في غيرها من باقي الجيوب المنسية تنمويا، تعتمد على الحفر أو الآبار التقليدية في تصريف فضلاتها ومياهها المستعملة، مع ما يلازم ذلك من تدهور الإطار المعيشة وتكاثر للحشرات المؤذية والناقلة للأمراض، وروائح لا تطاق، تزداد حدة مع فيضان تلك الحفر، أو عند القيام بعمليات تفريغها الدورية التي عادة ما يقوم بها أناس بوسائل تقليدية تتمثل في براميل محمولة على عربات تجرها الأحمرة، التي تعبر الأزقة الضيقة والشوارع بخطوات ثقيلة، محملة بتلك القاذورات، وكأنها تريد أن تؤذي بما تبعثه من روائح نتنة أكبر عدد ممكن من الناس.
وحتى المحاور التي وصلتها الشبكات أيام ''البريكولاج''، فهي لا تكاد تتخلّص من البرك الناجمة عن كثرة التسربات بسبب تصدع وانسداد القنوات، حتى تظهر أخرى مماثلة أو أكثر سوءا في موقع آخر قريب، وكأن سكانها يتبادلون الأدوار في تحمل أذى الأوساخ والحشرات والروائح الكريهة.
وقد جاءت الأمطار الغزيرة التي تهاطلت على المنطقة الشهر الماضي لتعري كل عيوب الشبكات في هذه الأحياء، وتكشف للجميع حجم المعاناة التي يتحملها سكان هذه الأحياء في صمت، وبعلم المسؤولين، وبجفاء المنتخبين الذين يديرون ظهورهم لهؤلاء المساكين بعد كل عرس انتخابي؛ حيث وجدت عشرات العائلات نفسها محاصرة بالأوحال والمياه الزائدة التي هددت البنيان والإنسان، واحتاجت معالجة بعض من آثارها إلى خروج المتضررين إلى الشارع لحمل المسؤولين على الالتفات إلى معاناتهم.
النفايات من كل صنف تحاصر السكان
من كل جهة
يعتبر الشارع الفاصل بين حيي بوغوفالة وسكرة، منطقة التّماس بين بلديتي عاصمة الولاية والرويسات، وكون المكان منطقة ''حدود'' جعله، حسب ساكنيه، غير محسوب من الطرفين في عملية النظافة، ورفع القمامة رغم ما يرمى فيه من كميات هائلة من الأوساخ والنفايات الصلبة والحديدية من كل صنف، بحكم كون جانبيه يجمعان بين السكان ومحلات الأنشطة المختلفة كالميكانيك وإصلاح هياكل السيارات، وورشات حرف وأنشطة أخرى مزعجة وملوثة مختلفة، وتكاد الصورة ذاتها تنطبق على حيي سكرة والزياينة اللذين تحاصرهما القمامة من كل جانب، بعد أن تحوّلت أطرافهما إلى شبه مفرغات فوضوية تراكمت فيها النفايات خلال سنوات متلاحقة، دون أن تتحرك أية جهة مسؤولة في اتجاه إنهاء ذلك الوضع.
أما داخل النسيج العمراني، فيتراوح تفسير ما يسجل من تراكم للقمامات في كل مفصل، بين عدم وصول شاحنات النظافة التابعة للبلدية إلى هذه الأماكن؛ وهو ما يؤكد برأي المتضررين من الوضع، درجة الإقصاء والمعاملة التمييزية في كل شيء، التي تتعرض لها أحياؤهم، وبين عدم تمكن وسائل البلدية أصلا من الوصول إلى كل تلك المناطق، حسب تحليل مصالح البلدية، بسبب ضيق أزقتها، والرمي الفوضوي للفضلات من طرف السكان، مع إضافة ملاحظة محتواها أن هذه الأحياء يصعب تصنيفها، إن هي مناطق سكن، أم مناطق نشاط صناعي وحرفي، أم مناطق ريفية تحتوى على غابات من النخيل وزرائب لتربية الماعز والأغنام وحتى الإبل، ناهيك عن الأحمرة التي تعتبر من ''وسائل العمل''، وحال ''سوق الرحمة'' التي تتوسط حي سكرة وتعرض فيها اللحوم ومختلف الخضر والفواكه والمواد الغذائية، في محيط مزبلة بحجم تل، كما يظهر في الصورة، تعكس حال الفوضى والظروف غير الصحية بالمرة التي يتعايش معها سكان هذه الأحياء.
48 ولاية وست دول
ارتبط كثير من الجرائم والأفعال المشينة وبكثير من المبالغة في بعض الأحيان بهذه الأحياء، فهي أحياء بحجم مدينة تقاطع فيها الغرباء وتعايشوا، وفقد معطى الهوية والانتساب كثيرا من معانيه في هذا الوضع؛ وفي هذا قال لنا احد قدماء سكان حي سكرة، ''إن هذا المحور مترامي الأطراف يجمع أناسا من ثمان وأربعين ولاية، يضاف إليهم أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين والمقيمين من الرعايا الأفارقة، كلهم دون وثائق هوية، من ست بلدان افريقية على الأقل''، سمى لنا منها النيجر ومالي ونيجيريا والبينين، وغينيا، وهي ملاحظة تنسجم تماما مع تقارير مصالح الأمن والدرك الخاصة بمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية. ولذلك يقول صاحبنا، كثرت الجريمة والممارسات الخارجة عن القانون في هذه الفوضى الشائعة، وأصبح ذكرها يعني السرقات والتهريب وتجارة المخدرات، وسرقة وتفكيك السيارات، والسطو على المنازل، والاعتداءات والسلب، وتزوير العملة، والدعارة والشعوذة... وهي أمور يسهل التأكد منها من خلال محاضر وتقارير جهازي الدرك والأمن، وتجد تفسيرها في فتح أمن حضري وفرقة متنقلة للشرطة القضائية، إلى جانب فرقة اقليمية للدرك الوطني يدعم نشاطها عادة بحملات مسح ومداهمات فجائية بالكلاب المدربة ليلا لمحاولة احتواء الوضع وبعث رسائل مطمئنة لمئات العائلات الشريفة والآمنة التي كثيرا ما اشتكت من هذا الوضع، ومن آثاره المادية والمعنوية عليها.
الإحساس بالغبن والمعاملة التمييزية جذّر التطرف أكثـر
يشعر شباب هذه الأحياء التي تشكل أطراف مدينتي ورفلة والرويسات بأنهم وأهاليهم يعاملون معاملة تمييزية فيها كثير من التهميش والإجحاف من طرف المسؤولين.
وتجذرت في نفوسهم مع الوقت قناعات سلبية خطيرة، محتواها انه حتى على المستوى الرسمي ينظر إليهم نظرة مختلفة، وبأنهم غير مرغوب فيهم.
ويؤسس متحدثون من هؤلاء الشباب الناقمين على هذا الوضع، انطباعهم هذا على ما يعانونه من صعوبة وإقصاء حتى في الحصول على شهادة إقامة تسمح لهم بمزاحمة الآخرين في الانتفاع من خيرات الدولة في الحصول على والسكن والعمل وغيرهما، أو الاستفادة من دعم أو عقار فلاحي أو مساعدة اجتماعية، وحتى قفة رمضان ومنح التمدرس وباقي المساعدات الخيرية والتضامنية، ظلت وتبقى تحكمها، حسبهم، معطيات تمييزية.
كما يسوق آخرون من الزياينة وسيدي بوغوفالة أمثلة بالجملة عن مظاهر الحرمان والتمييز التي يعانون منها في كل شيء؛ فطرقهم ترابية ومدارسهم مهترئة وبيوتهم متصدعة وشوارعهم مظلمة، والماء لا يصل، والنقل قليل، وشبابهم يقتله الفراغ والضياع وتتلقفه الانحرافات والجريمة، في ظل غياب أي مرفق أو مرافقة تحتويهم وتفتح لهم آفاقا لولوج العصرنة وترقية مداركهم.
وهي أوجه من المعاناة والإحساس بالغبن تلعب كثيرا على معنويات الشباب، وتنمي في نفوسهم إحساسا متجذرا بالإهمال المقصود لهم، وتدفع بالضعاف منهم نحو هاوية التطرف بكل أبعاده ومعانيه.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى